بقلم - مكرم محمد أحمد
الحرب مثل النار يمكن أن تستعر وتنتشر من مستصغر الشرر، إن غابت الحكمة واستحكمت الحماقة، وهذا ما يحدث بالفعل شمال سوريا، لأن الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان أخذه بالله الغرور وعَبر بقواته الحدود السورية إلى منطقة عفرين، حيث قوات سوريا الديمقراطية التى تتشكل أساساً من المقاتلين الأكراد اللذين تحالفوا مع بعض عشائر السنة العرب، وتعتبرهم الولايات المتحدة أهم قوة عسكرية حاربت داعش فى سوريا، وأمدتها واشنطن بالسلاح والصواريخ المضادة للدروع والمصفحات كما مكنتها من مظلة حماية جوية أمريكية ساعدت القوات الكردية على استعادة الأراضى السورية من أيدى داعش، ابتداء من مدينة كوبانى فى أقصى شمال سوريا إلى مدينة الرقة التى اختارها أبوبكر البغدادى زعيم داعش عاصمة للدولة الإسلامية، إلى منطقة عفرين، حيث أقامت قوات سوريا الديمقراطية منطقة حكم ذاتى ساندتها الولايات المتحدة مكافأة للأكراد على حربهم الضروس ضد داعش .
ومنذ عَبر الأكراد حدود تركيا رغماً عن أنف الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان ليسهموا فى تحرير مدينة كوبانى ذات الأغلبية الكردية وطرد داعش منها، والرئيس التركى يناهب أكراد سوريا العداء، ويعتبر قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة واحدة من ألد أعدائه الذين ينبغى دحرهم، لأن إقامة حكم ذاتى لأكراد سوريا يشكل عامل جذب لأكراد تركيا الذين يحكمون قبل مائة عام بدولة كردية تضم أكراد سوريا والعراق وتركيا، على حين تنكر عليهم تركيا حقهم فى تقرير المصير أو إقامة أى نوع من الحكم الذاتى، كما تنكر عليهم حقهم فى أن يكونوا أكراداً، وتسميهم أتراك الجبال، وتحارب تركيا الهوية الكردية بضراوة وصلت إلى حد الحرب الأهلية التى سقط فيها عشرات الآلاف من الأكراد والترك، لأن قيام دولة كردية يتوحد فيها أتراك سوريا والعراق وتركيا فى هذه المنطقة الإستراتيجية التى تشكل صرة آسيا وأحد معابرها الأساسية إلى أوروبا هو هاجس تركيا المزعج الذى تود لو تمكنت من قتله الأمس بدلاً من اليوم .
ورغم أن عملية غزو منطقة عفرين التى تشكل عدواناً مباشراً على أرض سوريا، تحمل كذباً اسم (غصن الزيتون)، فإنها يمكن أن تشعل حرباً واسعة فى المنطقة يصعب حساب آثارها على الأمن والسلم الدوليين، لأنها تتعلق بمصالح أطراف عديدة فى دول المنطقة وخارجها، تشمل إيران وتركيا والعراق وسوريا والروس والأمريكيين، فضلاً عن أن الرئيس التركى بغزوه منطقة عفرين وضع قواته فى حالة تماس مباشر مع الوجود العسكرى الأمريكى فى منطقة منبج على مسافة 100 كيلو متر من عفرين حيث توجد قوات الغزو التركى، الأمر الذى زاد العلاقات الأمريكية التركية سوءاً على سوء، إلى حد أن مستقبل العلاقات بين الدولتين يكاد يكون متوقفاً على نتائج الحرب التى يشنها رجب الطيب أردوغان على أكراد سوريا .
ويدعى الأتراك أن داعش عادت أدراجها إلى عفرين، وأن واحداً من أهم أهداف حملتهم العسكرية هو محاربة الإرهاب الذى عاد إلى سوريا، على حين تؤكد قوات سوريا الديمقراطية الموجودة على أرض عفرين أن الادعاء التركى غير صحيح بالمرة، وأن الأتراك يختلقون أسباباً غير صحيحة لتبرير غزوهم الأراضى السورية، وأن القضاء على الأكراد هو هدف تركيا الواضح والصريح .
ويرفض الأوروبيون عملية الغزو التركى لسوريا وتوسيع نطاق سيطرة أردوغان فى هذه المنطقة الحيوية التى تشكل صرة آسيا وتصل الشرق الأوسط بأوروبا ولأسباب أخرى أهمها الخوف من أن تؤدى العمليات العسكرية التركية إلى موجة هجرة سورية جديدة، ويدعم الأوروبيون القوات الكردية التى تسيطر على المكان بما فى ذلك المانيا التى تعتزم منع تصدير السلاح إلى تركيا، لأن أردوغان استخدم الدبابة الألمانية ليوبارد فى غزوه لعفرين، وبينما يعتبر الأمريكيون الأكراد حليفهم الأول في سوريا، يحاول الرئيس بشار الأسد جهده الحفاظ على علاقات طيبة مع الأكراد السوريين، وخلاصة القول إن أردوغان وضع نفسه وقواته فى مأزق صعب، وأن ما بدأه كمقامرة سياسية يكاد يصبح حرباً واسعة النطاق يصعب حساب نتائجها الوخيمة.
أرسل تعليقك