بقلم - مكرم محمد أحمد
لا أعرف إن كانت الدول العربية سوف تتمكن من سد الفراغ وتعويض الخسائر الكبيرة التى فرضها الرئيس الأمريكى ترامب على الشعب الفلسطيني، عندما علق 65 مليون دولار تمثل نصف المعونة التى تقدمها أمريكا لللاجئين الفلسطينيين عقاباً لهم على رفضهم قراره الأحادى الجانب الذى رفضه العالم أجمع باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وهدد أخيراً بمنع نصف المعونة الآخر «60 مليون دولار» إن لم يذعن الفلسطينيون لإرادته ويقدموا اعتذاراً عن رفضهم مقابلة نائب الرئيس الأمريكى فى رحلته الأخيرة للشرق الأوسط، ويمتثلوا لضغوطه ومطالبه المتعددة بأن يذهبوا إلى التفاوض صاغرين مع الإسرائيليين، ويقبلوا بأن تكون القدس خارج جدول أى تفاوض لأن الرئيس الأمريكى قرر إعطاءها لإسرائيل لأنه وعد فى حملته الانتخابية الإيفنجيلين الصهاينة الذين يشكلون جزءاً مهماً من جمهوره الانتخابى بأن يحقق حلمهم ويعطى القدس لليهود كى يعود المسيح من جديد وتكون نهاية العالم. ومع الأسف لا يزال ترامب يحشر الفلسطينيين فى أضيق زاوية من أجل أن يكرههم على الجلوس إلى الإسرائيليين والإذعان لكل مطالبه وقبولهم عرضه المنعدم العدالة بتسليم القدس. ومع التعاطف الواسع الذى تلقاه قضية القدس فى العالمين العربى والإسلامي، والنداءات العديدة من كل أركان العالم التى تدعو الفلسطينيين ــ وعلى الأخص مكان القدس الشرقية (340 ألفاً) ــ إلى الصمود فى مدينتهم بشجاعة فى وجه إرهاب الإسرائيليين وحملات التخويف والتهديد وهدم المنازل التى تستهدف إخراج المقدسيين من القدس، لم يبحث القادة العرب كيفية تعزيز صمود الفلسطينيين فى القدس على كل المستويات كى يتشبثوا بأرضهم ويثبتوا فى دورهم ربما انتظاراً للقمة العربية الدورية التى تعقد عادة فى شهر مارس المقبل, والتى من المنتظر أن يركز جدول أعمالها على ثلاث قضايا رئيسية أولاها استصدار قرار من الأمم المتحدة بإعلان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وثانيتها السعى لدى الأمم المتحدة، للاعتراف بالدولة الفلسطينية عضواً كامل العضوية فى الأمم المتحدة وثالثتها إقرار خطة عملية لتعزيز صمود الفلسطينيين فى الأرض المحتلة والقدس الشرقية، ولا يزال الأمين العام للجامعة العربية يواصل مشاوراته لكى يكون الملف بأكمله أمام القمة المقبلة. وحسناً أن سارعت دول الاتحاد الأوروبى بالدعوة لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى يواصل أعماله الآن فى بروكسل، ويحضر اجتماعاته سامح شكرى وزير خارجية مصر وعدد من الوزراء العرب بهدف تنسيق المساعدات الدولية المقدمة للسلطة الفلسطينية ومعاونتها على تعزيز صمود شعبها فى القدس وباقى الأرض المحتلة، خاصة قطاع غزة الذى يعانى من التكدس السكانى والبطالة ويكاد ينفجر على نفسه. وتنشغل إسرائيل أيضاً بهذه القضية، حيث ذكرت صحيفة «هاأرتس» أن الجهاز الأمنى الإسرائيلى حذر رئيس الوزراء الإسرائيلى من التداعيات المحتملة لخفض المساعدات الأمريكية مخافة أن يضر هذا الخفض بالتنسيق الأمنى مع الأجهزة الفلسطينية الذى توليه إسرائيل أهمية إستراتيجية كبرى لإحلال هدوء نسبى فى الأرض المحتلة ومنع جرائم العنف كما قالت «هاأرتس» إنه خلال الأيام الأخيرة تم تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلى من كل أجهزة الأمن من انهيار وكالة غوث اللاجئين (أونروا) بعد أن خفض الرئيس الأمريكى حجم مساعداتها للتضييق على الفلسطينيين, ويسود الاعتقاد فى الجيش الإسرائيلى بأن وكالة الغوث تمنع المزيد من تدهور أوضاع الفلسطينيين وأن الفائدة التى تجنيها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من استمرار وكالة الغوث فى مهامها ضخمة وكبيرة، وأنه إن امتنعت الأمم المتحدة عن تقديم معوناتها للفلسطينيين فى ظل شح مواردها فإن الآلاف من سكان قطاع غزة قد يحاولون عبور الجدار وقد لا يكون لدى الجيش الإسرائيلى أى حل سوى التصعيد فضلاً عن مخاطر وقف التنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية، التى تحصل على مساعدات تقدر بـ 30 مليون دولار سنوياً تشمل شراء الأسلحة وتمويل التدريبات ودفع الرواتب. وقالت بعض المصادر أن قوات أمن فلسطينية فى منطقة طولكرم رصدت أخيراً محاولة لمهاجمة مركبات تابعة للجيش الإسرائيلى وقامت بمنع العملية وتحييدها وأبلغت الأمر لأجهزة الأمن الإسرائيلية رغم ان السلطة الوطنية تعتزم وقف التعاون الأمنى مع إسرائيل. وبرغم حماس بنيامين نيتانياهو الشديد لقرارات ترامب إلا أن القلق يعتور العديد من القيادات الإسرائيلية من الآثار المتوقعة لهذه القرارات على أمن الإسرائيليين خاصة أنها يمكن أن تقود إلى واقع عنيف وكارثي، على حد تعبير زعيمة حزب ميرتس، يؤدى إلى عدم الاستقرار وفقدان الثقة التام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وربما عودة أعمال الإرهاب رغم التزام رئيس السلطة الوطنية بالعمل السياسى السلمى على حين قال هرتشوج أحد كبار المعارضين ان على الرئيس الأمريكى ترامب أن يتخلى عن طريقة معاملته للفلسطينيين بازدراء شديد وأن عليه أن يقدم لهم عرضاً يمكن قبوله ومن الضرورى إقناعهم وليس تهديدهم، وأن حشر الفلسطينيين فى الزاوية الضيقة لن يُفيد وسوف يؤدى إلى المزيد من الصراع والدماء.
أرسل تعليقك