بقلم - مكرم محمد أحمد
لم يحدث أن أثار غضب العالم أجمع قرار أحادى الجانب مثل قرار الرئيس الأمريكى ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، مع بدء إجراءات نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية، وتكليف الخارجية الأمريكية بالإشراف على النقل وبناء سفارة جديدة فى القدس الشرقية، والمؤسف أن دوافع القرار تكاد تكون ذائبة، ووفقاً لما قاله الرئيس الأمريكى فى بيان البيت الأبيض فإن إسرائيل دولة مستقلة من حقها أن تقرر ما هى عاصمتها، وهو قول مغلوط لأن القدس أرض محتلة كما تؤكد عشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن محكمة العدل الدولية فى قضية الجدار العازل، وكما يقول الرئيس الأمريكى فإن الرؤساء الأمريكيين جعلوا من هذا الموضوع وعداً انتخابياً لكنهم لم ينفذوه وكانت تنقصهم شجاعة التنفيذ، وها أنا أنفذه وأوجه أوامرى لوزارة الخارجية الأمريكية بالبدء فى نقل السفارة فورا.
ً وليس صحيحاً أيضاً ما يقوله الرئيس ترامب من أن الولايات المتحدة بهذا القرار تتخذ قراراً لا علاقة له بالوضع النهائى للأرض الفلسطينية المحتلة وهذه مغالطة أخرى لأن قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن جميعاً تؤكد أن القدس من قضايا الوضع النهائى، يتحدد مصيرها فى مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.وليس قسراً بفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطينى ! ووفقاً لتصريحات فيدريكا موغريتى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى فإن دول الاتحاد الأوربى على استعداد لأن تقدم للرئيس الفلسطينى محمود عباس ضمانات معلنة بأن يلتزم الاتحاد الأوروبى الحفاظ على وضع القدس ضمن قضايا الحل النهائى بحيث لا يكون هناك تغيير فى موقف الاتحاد الأوروبى الثابت من المدينة.
وفى أول ردود الأفعال الدولية طلبت دول بولندا ومصر وفرنسا وإيطاليا والسنغال والسويد وبريطانيا وأرجواى من رئاسة مجلس الأمن عقد اجتماع طارئ للمجلس الأسبوع المقبل للنظر فى مدى مشروعية القرار الأمريكى الخاص بالقدس الذى يرفضه العالم أجمع ما عدا واشنطن وتل أبيب، كما تحذر دول العالم من خطورة تأثيره على أوضاع الشرق الأوسط وجهود التسوية السلمية للصراع العربى الإسرائيلى، خاصة أن القرار يستبق مرحلة التفاوض النهائى ويفرض أمراً واقعاً لا يستند إلى أي شرعية، وهو قرار أحادى الجانب يكرس الاحتلال الإسرائيلى ويفرض بالقوة حقائق على الأرض تستفز مشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين، كما يؤدى إلى الكراهية والعنف ويعطى المزيد من الذرائع للإرهاب، وهو فى النهاية قرار منعدم لا ينتج أى أثر شرعى وفقاً لأحكام القانون الدولى .
وبصدور قرار الرئيس الأمريكى ترامب الذى ينحاز بالكامل إلى إسرائيل ينتفى دور الولايات المتحدة كوسيط نزيه لحل الصراع العربى الإسرائيلى، لأن القرار يعنى انسحاباً رسمياً من عملية السلام، يقوض جهود واشنطن وينهى دورها فى الوساطة والتفاوض ويضرب عرض الحائط بكل الأعراف والمواثيق. وأظن أن السؤال المهم الآن : ما الذى يمكن أن يفعله الفلسطينيون والعرب والمسلمون ..غير الشجب والاستنكار والإدانة ؟ وهل يستطيع العرب سحب أرصدتهم المالية من الولايات المتحدة ؟ وهل يمكنهم قطع العلاقات مع أمريكا أو الهبوط بمستوى التمثيل السياسى ؟!.. أم تكفيهم بعض التظاهرات الحاشدة فى الضفة وقطاع غزة وبعض المدن العربية، أم يفعلون مثل الذى تريده جماعة الإخوان يحرقون مصالح الولايات المتحدة فى جميع دول الشرق الأوسط، ويحرقون سفارتى إسرائيل فى مصر والأردن ومكاتب تمثيلها فى قطر، وينشرون تظاهرات العنف فى كل بلد عربى، يدمرون ويحرقون كما فعلوا فى مصر خلال ثورة يناير، هدفهم الأول التدمير والتخريب ونشر الدمار أملاً فى الاستيلاء على السلطة هدفهم الأصيل والأخير، وربما تساعدهم هذه الأزمة على الخروج من سجن الأزمة التى تحاصرهم فى مصر والسعودية والإمارات وعواصم أخرى تم ضبطهم فيها متلبسين بارتكاب جرائم قذرة ! .
أظن أن الخطوة الأولى هى حشد الجهود الدولية لاجتماع مجلس الأمن لسحب البساط من القرار الأمريكى وإثبات انعدامه وافتقاده الشرعية وعزلته الكاملة التى تقتصر على أمريكا وإسرائيل، حتى لو استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو، لأن الفيتو ربما يصادر على القرار لكنه لا يستطيع أن يقتل منطوقه الذى يكلل بالعار إدارة ترامب، وربما يسقطه فى الانتخابات الأمريكية المقبلة.
وأظن أن الذهاب إلى مجلس الأمن والحصول على قرار بانعدام شرعية قرار ترامب يمكن أن يكون المسمار الأول والأخطر فى نعش قرار ترامب الذى يرفضه العالم أجمع .
أرسل تعليقك