بقلم - مكرم محمد أحمد
ما هو وجه التناقض بين أن تستقبل القاهرة نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس عقب قرار الرئيس الأمريكى ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إن كانت القاهرة قد رفضت قرار ترامب، واعتبرته قراراً منعدماً لا ينتج أى أثر فعلى، وخروجاً على قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن يناقض أحكام القانون الدولى، ويستبق مفاوضات الحل النهائى التى تجعل مصير القدس رهناً بالمفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ثم ما هو وجه الغرابة فى أن يوافق الرئيس السيسى على استقبال مايك بنس باعتباره مبعوثاً للرئيس ترامب يود مناقشة أسباب وحيثيات الخلاف بين البلدين حول مصير القدس، خاصة أن مصرترى أن القرار الأمريكى يمثل عدواناً صريحاً على المركز القانونى للقدس فى المرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، كما تعتبر الولايات المتحدة مصر شريكاً أساسياً مهماً للغاية فى قضايا المنطقة ومكافحة الإرهاب، بينما يرفض استقباله الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الذى يشكل المرجعية الدينية لوسطية الإسلام واعتداله ويرى فى العدوان على القدس عدواناً على حقوق مليار ونصف المليار مسلم، وأخيراً لماذا التشكيك فى إمكانية أن يكون هناك توافق وتنسيق مشترك بين كل هذه الرؤى، خاصة أن دولة مصر التى تضم كل هذه المؤسسات وتضمن تكامل جهودها، هى التى قدمت مشروع القرار الذى ينظره مجلس الأمن رداً على قرار الرئيس الأمريكى الأحادى الجانب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وتدعو مسودة القرار المصرى التى وزعتها مصر على الأعضاء الخمسة عشر لمجلس الأمن إلى الامتناع أولاً عن نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس لأن قرار ترامب بشأن القدس قرار أحادى الجانب ينبغى ألا يكون له أثر قانونى على مجمل أوضاع المدينة ويتحتم إلغاؤه ولا أعرف ما هو المغزى الحقيقى من تغيير مسار رحلة نائب الرئيس الأمريكى بنس الذى كان يعتزم زيارة إسرائيل أولاً قبل أن يأتى لمصر، ثم اختار أن يأتى لمصر أولاً غدا ليستمع إلى موقف مصر من قضية القدس الذى لن يختلف عما سمعه الرئيس الأمريكى ترامب من الرئيس السيسى، إلا أن يكون الرئيس الأمريكى حمل نائبه بنس وجهة نظر جديدة، لأن مصر تعتقد اعتقاداً حازماً بأن قرار ترامب زاد الوضع تعقيداً، وما من حل آخر سوى إلغاء القرار، ونفى أي آثار تترتب على إعلانه ووقف كل الإجراءات المتعلقة بتنفيذه، ووفقاً لتقارير وكالات الأنباء واتساقاً مع الغضب العارم الذى يسيطر على المشاعر، يتوقع الجميع غضباً شعبياً واسعاً يصاحب زيارة نائب الرئيس الأمريكى بنس التى تستمر ثلاثة أيام يزور فيها القاهرة صباح غد ويغادرها مساءً إلى إسرائيل حيث يجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو والرئيس الإسرائيلى رينو فين قبل أن يلقى خطاباً أمام الكنيست الإسرائيلى ويزور حائط المبكى فى القدس، ويغادر الأرض المحتلة دون أن يلتقى الرئيس محمود عباس الذى رفض لقاء بنس احتجاجاً على قرار الرئيس ترامب الذى خذل الشعب الفلسطينى بانحيازه الأعمى لإسرائيل وترتب عليه انتهاء دور الولايات المتحدة كوسيط فى عملية السلام . وتقول صحيفة الواشنطن بوست إن توجه بنس إلى الشرق الأوسط يأتى مصحوباً بالكثير من الغضب والرفض، وأن مصر من الدول التى نددت بالقرار الأمريكى وأسقطت شرعيته، لكن نائب الرئيس الأمريكى بنس يحمل بالأساس برسالة واحدة بأن إدارة ترامب لا تزال ترى فى مصر شريكاً مهماً للغاية فى المنطقة يمكن أن يساعد على تهدئة الغاضبين الفلسطينيين من القرار الأخير! ومن المؤكد أن مصر سوف تؤكد على لسان رئيسها أن ما يرفع غضب الفلسطينيين هو الاعتراف الأمريكى بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، أو إلغاء قرار الرئيس ترامب وترك الأمر لمفاوضات الوضع النهائى . ومن المؤكد أيضاً أن زيارة بنس سوف تثير عاصفة من الغضب الشديد فى العواصم والحواضر العربية إن كان هدف الزيارة مجرد تأكيد القرار الأمريكى ومحاولة إلباسه ثوباً شرعياً كاذباً بدعوى أنه اعتراف بالأمر الواقع لأنه فى جوهره اعتراف أحادى الجانب تم بقوة الاحتلال الذى لا يملكه أى شرعية لتغيير الأمر الواقع الذى رفضت جميع قرارات الأمم المتحدة الاعتراف بشرعيته، وأكثر ما يخشاه الإنسان أن يحمل نائب الرئيس الأمريكى، رسالة خاطئة مفادها حقوق الأقليات المسيحية فى مصر والعالم العربى، تشعل المزيد من الغضب لأن أقباط مصر جزء من مواطنيها غاضبون من أجل القدس مهبط المسيح مثل المسلمين برفض كبيرهم لقاء نائب الرئيس الأمريكى الذى يسعى للتدخل فيما ينبغى ألا يتدخل فيه، لأن مظلة المواطنة بكل حقوقها تشمل الجميع أقباطاً ومسلمين، ولأن من حق البابا تواضروس رفض لقاء نائب الرئيس بنس كما رفض لقاءه الشيخ الطيب رئيس مجلس حكماء المسلمين.
أرسل تعليقك