بقلم : مكرم محمد أحمد
رغم المأزق الصعب الذى ينبىء بفشل عظيم للرئيس التركى رجب الطيب أردوغان، عندما قامت قواته بغزو منطقة عفرين السورية، على أمل أن ينجح فى طرد المقاتلين الأكراد السوريين الذين تمكنوا من دحر داعش فى سوريا، يواصل الرئيس التركى ــ الذى لا يزال يراوده حلم استعادة الخلافة العثمانية ــ تحرشه بمصر، يحاول السيطرة على ميناء سواكن شرق السودان ليكون له وجود بحرى عسكرى فى البحر الأحمر يُنغص أمن مصر جنوباً، ويناطح مصر العداء شرق المتوسط حيث حقل «ظهر» العملاق الذى بدأت مصر استغلاله تجارياً الشهر الماضى، بدعوى أن اتفاقية الحدود بين مصر وقبرص بترسيم حدودهما البحرية، والتى بموجبها تم اكتشاف أكبر حقول الغاز فى البحر الأبيض، لا تحمل أى صفة قانونية وأنها تنتهك حدود الجرف القارى عند خطوط الطول 32 و16 و18 درجة، رغم أن أعمال حفر حقل ظهر بدأت قبل 28 شهراً، لم نسمع خلالها أى اعتراض تركى، ورغم أن الاتفاقية التى جرى توقيعها عام 2013 لا أحد يستطيع أن ينازع فى قانونيتها لأنها تتوافق تماماً مع القانون الدولى، وتم إيداعها بالفعل كاتفاقية دولية فى الأمم المتحدة، أما الادعاءات التركية فلا يساندها سوى رعونة رجب الطيب أردوغان، وإذا كانت تركيا تحاول الاستفادة من سيطرتها على الجزء الشمالى الشرقى من جزيرة قبرص باسم القبارصة الأتراك، فإن ذلك لا يشكل أى مسوغ قانونى لتركيا، لأن هذه المنطقة من قبرص لا خطوط أساس لها تطل على منطقة اكتشافات الغاز، كما أنه لا توجد أى دولة فى العالم اعترفت بسيادة تركيا على هذا الجزء من جزيرة قبرص، ومن ثم فإنه لا سند قانونى بالمرة لطلب بحق تركيا فى التنقيب عن الغاز شرق المتوسط خلال المستقبل القريب، كما وعد الرئيس التركى أردوغان.
ويعتقد المحلل الأمريكى سيريل ويدر شوفين، أن مطالب أردوغان تتسم بالتجاوز والعدائية تجاه مصر، وأن إعلان الرئيس التركى بحقه فى منازعة مصر هو بمثابة إعلان الحرب على مصر، ولهذا جاء الرد المصرى فى تحذير واضح المعنى لا يحتمل التأويل على لسان المتحدث الرسمى أكدت فيه أن مصر لن تسمح لأحد بحرمانها من اكتشافات الغاز،وكانت مصر قد اتخذت كل الإجراءات التى تكفل الحفاظ على حقوقها فى حقل «ظهر» ابتداء من ترسيم حدودها مع قبرص إلى إيداع وتوثيق خرائط خطوط حدودها البحرية مع قبرص ضمن وثائق الأمم المتحدة.
والواضح للعالم كله، أن اكتشافات الغاز الأخيرة شرق المتوسط غيرت موازين القوى فى المنطقة كما تقول صحيفة «فايننشال تايمز»، وأن كل الوقائع والحقائق تصب فى صالح مصر لأنها تجعلها بالفعل أهم مركز عالمى للطاقة شرق المتوسط والجسر الصحيح الذى يربط بين أسواق الغاز فى الشرق والغرب، ونقطة الاستثمار الصناعى الأساسى فى المنطقة التى فشلت إسرائيل وتركيا فى منافستها لأسباب عديدة، أولها الإمكانات القوية التى توفرها الدولة المصرية، سواء فى منح تراخيص البحث والاستكشاف، فضلاً عن وجود محطات تسييل الغاز المتاحة بالفعل التى تقلل الوقت والكلفة، كما أن مصر سبقت إسرائيل بعملية تنمية حقل «ظَهر» وسرعة استثماره التجارى بعامين كاملين بما جعله الأقل كلفة والأكثر تنافسية فى سوق تعانى من هبوط أسعار الغاز، وفضلاً عن ذلك فإن حقول الغاز المصرية وأولها حقل «ظهر» تستفيد من قناة السويس التى هى بالفعل أسهل وأرخص طرق التجارة فى العالم بما يزيد من قدرة مصر على أن تصبح المركز الأساسى للطاقة فى الشرق الأوسط ويزيد من قدرتها على التعامل مع أى تحرك قادم، خاصة أن القاهرة تعتبر إتفاقية الحدود بين مصر وقبرص جزءا مهما من البنية التحتية الكاملة التى تجعل مصر الأكثر استحقاقاً من كل من تركيا وإسرائيل فى أن تكون دولة محورية للطاقة، وإذا كانت تركيا تزج بالقبارصة الأتراك على اعتبار أن لهم حق إدارة موارد قبرص الاقتصادية، فإن أزمة قبرص لا تزال محل نزاع دولى ضخم يمكن أن تنظره الأمم المتحدة، وحتى الآن لم تعترف أى دولة بحقوق الأتراك القبارصة فى دولة مستقلة فضلاً عن أن العالم كله يعترف بقبرص باعتبارها دولة إلا تركيا التى تراها مجرد جزيرة فى عرض البحر
.المصدر : جريدة الأهرام
أرسل تعليقك