بقلم: مكرم محمد أحمد
يبدو أن رحلة نائب الرئيس الأمريكى بنس إلى الشرق الأوسط ـ التى زار فيها مصر والأردن وإسرائيل ـ بعد قرار الرئيس الأمريكى المفاجىء الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل لم تأت بجديد، ولم تفتح أى طريق لتضييق شقة الخلاف مع الإدارة الأمريكية حول القدس، ولم تساعد على استئناف عملية التفاوض العالقة بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين، وان كان من المؤكد انها تمثل خطوة جديدة للوراء زادت الموقف سوءا. وإذا كان الفلسطينيون قد قبلوا أخيراً بأن تكون واشنطن ضمن وساطة جديدة تشارك فيها مصر والأردن، أو يشارك فيها الاتحاد الأوروبى والصين وروسيا، فلا يزال الإسرائيليون يصرون على وساطة واشنطن المنفردة ويعتبرون من يرفض الوساطة الأمريكية مناهضاً للسلام, والواضح أن نائب الرئيس الأمريكى بنس سمع من العاهل الأردنى الملك عبدالله، أن القدس هى مفتاح سلام الشرق الأوسط الذى ينهض على حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وأنه حذر واشنطن مراراً على امتداد العام الماضى من خطورة أن تستبق مرحلة التفاوض وتعلن فى قرار منفرد القدس عاصمة لدولة إسرائيل، متمنياً على الرئيس الأمريكى ترامب مواجهة هذا التحدى الجديد الذى يمكن أن يثير القلاقل فى المنطقة لإعادة بناء الثقة المتبادلة والسير بمباحثات التسوية السلمية قدما إلى الأمام.
وهو ما سمعه نائب الرئيس الأمريكى من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القاهرة أولى العواصم الثلاث التى زارها، مؤكداً للرئيس السيسى وقوف الولايات المتحدة إلى جوار مصر فى حربها الضروس ضد الإرهاب، لكن يبدو أن نائب الرئيس الأمريكى حين مناقشته قضية القدس مع الرئيس السيسى كان مستمعاً, كل همه الدفاع عن قرار ترامب بأنه مجرد اعتراف بالأمر الواقع لا يضيف جديداً، وأن القدس لا تزال على جدول المفاوضات النهائية خاصة ما يتعلق بحدودها تنتظر اتفاق الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، لكن واقع الأمر يؤكد أن الحقيقة غير ذلك، وأن القدس قد رفعت من جدول التفاوض كما تؤكد تصريحات المسئولين فى الإدارة الأمريكية، وأن الولايات المتحدة بعد قرار ترامب ليست مستعدة لقبول أى تغيير فى موقفها من القدس، لأن القرار يعبر عن موقف ترامب النهائى كما يعبر عن الشعب الأمريكى، فضلاً عن الإجراءات العملية التى تتخذها الإدارة الأمريكية لسرعة تنفيذ القرار ونقل السفارة فى أسرع وقت إلى المبنى القائم فى القدس كقنصلية أمريكية, واستخدامه كمقر مؤقت للسفارة دون انتظار بناء سفارة جديدة.
وذكرت صحيفة «هاآرتس» أن الإدارة الأمريكية تعتزم نقل السفير الأمريكى لدى إسرائيل دافيد فريدمان إلى مبنى القنصلية مع طاقم محدود من أعضاء مكتبه إلى المبنى القنصلى فى حى أرنونا بحيث يتم ذلك فى غضون عام 2019. وقد لقى نائب الرئيس الأمريكى حفاوة ضخمة فى إسرائيل حيث ألقى خطاباً فى الكنيست أعلن فيه الإسراع بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس رغم غضب الفلسطينيين ورغم إدانة العالم، وأن عملية نقل السفارة سوف تبدأ فى غضون أسابيع قليلة بحيث تنتهى فى غضون عام على أكثر تقدير، وقال بنس ان الرئيس ترامب طلب من الخارجية الأمريكية البدء فوراً فى نقل السفارة التى سوف تفتح أبوابها العام المقبل وكان التقدير السابق أن يتم الأمر خلال 4 سنوات، ومع بدء حديث نائب الرئيس الأمريكى فى الكنيست خرج النواب العرب من القاعة احتجاجا, يحملون لافتة كتبت بالعربية والإنجليزية تقول (القدس عاصمة فلسطين) بينما يلاحقهم رجال الأمن يدفعونهم بقوة إلى الخارج.
وقد كان واضحاً للعيان كما كتبت صحيفة «بواشنطن بوست» مدى الارتياح الذى ظهر واضحاً على نائب الرئيس الأمريكى, عكس موقفه فى مصر والأردن يكتسى وجهه بالضيق وهو يحاول الدفاع عن القرار الأمريكى, الذى أكد أن إدارة ترامب ـ كما قال صائب عريقات ـ هى جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل, بينما كان الرئيس محمود عباس فى اجتماعه مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى فى بروكسل, يحثهم على الاعتراف الجماعى بدولة فلسطين رداً على الموقف الأمريكى مؤكدا أن اوروبا هى الشريك الحقيقي.
والواضح أخيراً أن نائب الرئيس الأمريكى كان الأشد حماساً لصدور قرار التعجيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتباره واحداً من غلاة الإنجيليين الذين يشتد حماسهم لكل مطلب إسرائيلى مهما يكن ضاراً بعملية السلام أو يثير غضب الفلسطينيين..، وبهذه الخطوة الأمريكية الجديدة التى تعبر عن نزق أمريكى شديد, أصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يستأنف الفلسطينيون تفاوضهم مع الإسرائيليين.
أرسل تعليقك