بقلم/ مكرم محمد أحمد
مع أن البعض يرى أن ترشيح الفريق أحمد شفيق نفسه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة منافسا للرئيس عبد الفتاح السيسى الذى ترشحه غالبية القوى السياسية وجموع غفيرة من الشعب المصرى لفترة حكم ثانية يمكن أن يكون مفيدا لمسار الديمقراطية فى مصر وللعملية الانتخابية نفسها، رغم غيبته الطويلة عن البلاد وانقسام حزبه الوليد وهبوط شعبيته بصورة ملحوظة، لأن ترشحه سوف يجعل المعركة الانتخابية أكثر حيوية وسخونة فى ظل وجود مرشح منافس قد لا يجنى بضعة آلاف من الأصوات بعضها يؤول لجماعة الإخوان التى تريد هزيمة قاسية للسيسى لن تتحقق رغم كل جهود الجماعة، وربما يساعد نزول الفريق شفيق إلى المعركة على رفع نسب الحاضرين أمام صناديق الانتخاب، وهذا فى حد ذاته مكسب مهم يدعم إرادة مصر السياسية ويثبت حيوية الشعب المصرى ويؤكد للجميع أننا إزاء عملية جادة تتطلب حضوراً شعبياً واعياً، ويثبت للإرهاب والإرهابيين أن مصر بكاملها تقبل التحدي.
وربما يكون هناك من يرون أن نزول الفريق إلى المعركة الانتخابية رغم مخاطر كثيرة متوقعة لا يشكل خطرا على وضع الرئيس السيسى الانتخابى الذى من حقه أن يحوز فترتين من الحكم طبقاً للدستور، لأنه لم يرتكب أى أخطاء فى فترة حكمه الأولى رغم صعوبات المرحلة الاقتصادية والأمنية التى فرضت على البلاد أوضاعا اقتصادية ومالية وصلت بالفعل إلى حالة الإفلاس!، يتطلب إصلاحها قرارات صعبة لا بديل لها تفرض على الجميع أن يتجرعوا كأسا شديد المرارة وشديد العلقم، اخذها الرئيس السيسى بشجاعة ودون تردد تتعلق بتعويم الجنيه، وقد كان فى وسعه أن يؤجلها نفاقاً إلى ما بعد الانتخابات..، والواضح الآن لمن له عقل يبصر أن مرحلة التعافى قد بدأت بزيادة حجم الاستثمارات المباشرة وزيادة معدلات النمو من تحت الصفر إلى 5ر4 فى المائة وزيادة حجم الصادرات ونقص الواردات وانخفاض نسب البطالة بصورة ملحوظة وهبوط مهم فى نسب التضخم.
لم يقل أحد إننا وصلنا إلى مرحلة التعافى الكامل لكن العجلة تدور إلى الأمام وتحقق جديدا كل يوم وثمة طاقة نور واسعة يراها كل المبصرين فى نهاية النفق تبدو واضحة للجميع إلا من فى قلبه مرض، فلماذا إذن محاولة قطع الطريق على الرئيس السيسى وحرمانه من فترة حكم ثانية مستحقة بحكم الدستور وهو الذى بشهادة العالم أجمع حارب الإرهاب ولا يزال يحاربه بشجاعة، لم يضعف ولم تفتر همته وإنما يزيد غضبه وإصراره على اجتثاث الإرهاب..، نعم تمكن الإرهاب من ضرب مصر بخسة وقسوة فى مسجد الروضة شمال سيناء، لكن ماذا كانت النتيجة؟!
رفضت مصر الجريمة بأزهرها الشريف وجميع مؤسساتها وجموع شعبها العظيم، تستنكر عملاً كافراً أغضب كل المصريين وتحتضن جميع من بقوا من أهل الروضة من الضحايا فى حب رءوم لم يشهد العالم له مثالاً يدفع إلى الفخر والمزيد من الاعتزاز، وأقسم جيشها على القصاص والانتقام من الإرهاب وإجباره على الرحيل خلال 3 أشهر، فهل يجوز للفريق شفيق على وجه التحديد ودون غيره من آحاد الناس وهو ابن المؤسسة العسكرية أن يرشح نفسه منافسا للسيسي، إننى لا أنكر على الرجل حقه الدستورى ولا أستنكر رغبته المشروعة فى الترشح للمنصب المرموق، لكننى فقط أتساءل: ما الذى كان يحدث لو أخر الفريق شفيق ترشحه إلى ما بعد فترة حكم الرئيس السيسى الذى رفض على نحو قاطع تغيير الدستور وأصر على أن تكون مدة البقاء فى الحكم فترتين فقط كل منها 4 سنوات كما قال الدستور، خاصة أنه لا يزال يقود بنجاح معركتى الحرب على الإرهاب وإعادة بناء مصر من جديد خالية من الإرهاب والفساد وليس فقط إصلاح الاقتصاد بعد أن جاوز حالة الإفلاس.
ومع الأسف أفسد الفريق شفيق لعبته السياسية منذ اللحظة الأولى التى كان يمكن أن تحقق شيئا مفيدا وتجعل المعركة أكثر حرارة وجذبا لحضور الناخبين، عندما أعلن فى تسجيل خاص على قناة الجزيرة ترشحه لانتخابات الرئاسة المصرية من خارج مصر وقد كان فى وسعه أن يعلن ترشحه من داخل مصر بعد عودته من منفاه شبه الاختيارى فى الإمارات، ولم يكن هناك ما يشير إلى عدم إمكان عودته بعد انتهاء جميع القضايا وجرى رفع قرار وضعه تحت الترقب والانتظار، وعندما سارع باتهام الإمارات بأنها تمنعه من السفر لمنع ترشحه للانتخابات الرئاسية لمجرد أن البعض فى الإمارات ربما يكون قد تحدث معه عن مبررات ترشيحه وهو سؤال منطقى ومشروع ما دام قد قبل ضيافة الإمارات الكريمة، ثم جاء تصريحه الأخير بأنه سوف يذهب وبناته إلى باريس ليعلن موقفه من هناك ليحيط مجمل قضيته بأسئلة تثير الشكوك والاستنكار وكأن هناك مؤامرة تحاك ضد ترشيحه الذى هو حق دستورى لا يمكن للسيسى وقفه كمواطن مصري، وأظن أن الفريق شفيق يستطيع العودة إلى بلاده آمنا سالما لأنه ما من إشارة واحدة تمنع عودته مهما يكن غضب الإمارات التى وصفته باللئيم. ولازلت أود أن أستقبله فى مطار القاهرة صديقا عزيزا لا أزال أفخر بصداقته. وأعرف الفريق شفيق جيدا وبيننا علاقات صداقة قوية أرجو ان تبقى عامرة، وأعرف أن المشاعر تختلط عليه وأنه لا يزال يستشعر بعض الغضب لكرامته ولإحساسه العميق بأنه ما كان يستحق هذه المعاملة التى أطالت مدة بقائه فى المنفى الاختياري، وأظن أن ما طاله هو نفسه ما طال الرئيس مبارك الذى عانى كثيراً وربما يكون مسلك مبارك وردود افعاله افضل كثيراً من ردود افعال شفيق بالفعل، لكنى أريد ان اقول شيئا شخصيا مفاده أننى لا ازال اريد لصداقتنا ان تبقى عامرة لوجه الله لا يخالجها أى مصالح ذاتية، رغم خلاف فى الرأى يمتد شهورا طويلة، عندما صارحته قبل أكثر من 6 أشهر فى إطار حديث كان بدأه بأن الأفضل له ألا ينزل المعركة الانتخابية وان يجىء الى مصر بعد أن انتهت كل القضايا التى تمنع عودته بالبراءة، وأن يعمل ضمن جمعيات المجتمع المدنى إن كان راغبا فى الخدمة العامة، لأنه فى هذه الظروف العصيبة ينبغى ان يكون للمؤسسة العسكرية رمز واحد هو السيسى وأظن أن التعاون مع الرئيس السيسى أمر ممكن لأن هناك من يسعون لاستغلال هذه الفرصة على أمل تفكيك مصر، ورغم انه بدا لي، فى حضور بعض الاصدقاء مهتما برؤيتى إلا أنه استمع ولم يعلق !
صحيح أنه كان لشفيق رصيد يتمثل فى 11 مليون ناخب أعطوه أصواتهم فى معركة ضد محمد مرسي، وكان شديد الاعتقاد بأنه هو الفائز فى المعركة، ورغم التحقيقات التى أجرتها الهيئة العليا للانتخابات فى قضية أصوات المطبعة الأميرية وأصوات قرية فى الصعيد معظمها من الاقباط شكا أنصار شفيق من أنهم منعوا من التصويت وكانت تحقيقات الهيئة العليا ان القرية صوتت فى الانتخابات بأعلى من نسب التصويت من المعارك الانتخابية السابقة، لكن ارصدة احمد شفيق الراهنة ربما تكون قد هبطت كثيراً لأسباب عديدة، اولها طول غيابه فى المنفى الاختيارى فى ضيافة الإمارات الكريمة ودون نشاط سياسى مؤثر من جانب شفيق «أبعد من الانتظار»، وثانيها اللبس الشديد الذى أحاط بقضية ترشيحه فى الانتخابات الرئاسية الجديدة، ابتداء من اعلان ترشيحه عبر قناة الجزيرة، إلى أزمته مع الإمارات بعد صداقة وطيدة وتسرعه فى اتهام الإمارات عبر الجزيرة بأنها منعته من السفر كى تمنعه من الترشح منافساً للسيسي إلى موقفه المتناقض من قضية جزر البحر الأحمر فهى فى رأيه الأول مصرية وفى رأيه الثانى (لا شك سعودية) وثالث الأسباب الحرص من جانب معظم المصريين على صلابة وحدة المؤسسة العسكرية فى ظروف تحدى الارهاب وإبان تكليف رسمى مهم من القائد الاعلى للقوات المسلحة لرئيس الاركان الجديد بضرورة هزيمـــة الارهاب فى سيناء فى غضون 3 أشهر. ورابعاً ضرورة ان يستكمل الرئيس السيسى حقه فى الترشح لفترة حكم ثانية وان يكمل الرئيس السيسى مهمته فى دحر الإرهاب وإعادة بناء مصر بالكامل مع ظهور بشائر نجاح مؤكد على المستويين الأمنى والعسكري.
ورغم ان الرئيس السيسى ربما يكون اكثر المستفيدين من نزول شفيق الى المعركة لأن فرص اصوات السيسى تزداد دون شك اتساعا بينما تنكمش اصوات السيسى المحتملة لأسباب كثيرة مع أن نزوله المعركة سيعطى طعما خاصا للانتخابات لم تجربه مصر، لكن ثمة أسبابا أخرى تجعل امتناع شفيق عن ترشيح نفسه الحل الأفضل والأوفق حرصا على استمرار المعركة من أجل تصحيح مسار مصر الاقتصادى والتخلص من جماعات الارهاب ولضرورة الالتزام برمز واحد لوحدة القوات المسلحة فى هذه الظروف خاصة ان التحالف الوثيق بين الشعب والقوات المسلحة جد وثيق تحت قيادة السيسى لا يخالطه أى هاجس.
والأخطر من ذلك جميعا أن جماعة الاخوان ربما تقف سرا أو علنا إلى جوار شفيق ليس حبا أو يبدأ، لكن املاً فى الانشقاق الذى هو عشم إبليس فى الجنة وخصماً من حساب السيسى الذى تكرهه أضعاف كراهيتها شفيق، لأن هزيمة السيسى تعنى بالنسبة لها هزيمة الجيش المصري، العقبة الكؤود، امام سعيها للقفز على السلطة كى تكرر احداث 25 يناير وتدخل مصر دوامة من الفوضى أشد وأخطر مما سمته كوندليزا رايس الفوضى البناءة، وقد يكون الحل الامثل إن ركب العناد رأس شفيق وحكم تفكيره الأسباب الشخصية والنفسية التى تتعلق برد الاعتبار والحفاظ على الكرامة مع ان الرئيس السيسى لم يكن طرفا فى طول بقائه فى الخارج وأظن أن مقتضيات العدالة هى التى اطالت نظر القضية، وباليقين كان ذلك فى مصلحة شفيق.
وأظن أن الحل الصحيح لهذا المشكل الخطير هو التعامل مع الموقف بهدوء وأعصاب قوية وثقة كاملة والترحيب بنزول شفيق إلى المعركة إن ركب العناد رأسه وخوضها بشجاعة بالغة وثقة فى النصر والارتفاع من جانب الحكم بمستوى المعركة التى يريدها السيسى نزيهة وشريفة تلتزم تقاليد المنافسة الصحيحة دون إسفاف، لأن المستفيد الآن من معركة يلجأ فيها البعض الى الإسفاف ليس بالقطع الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى اثق بقوة فى أنه يستحق فترة حكم ثانية يكمل خلالها واجباته المهمة حفاظا على أمن كل المصريين وتحقيقا لآمالهم فى الاستقرار والتقدم وحماية لوحدة قواتنا المسلحة.
أرسل تعليقك