بقلم/ مكرم محمد أحمد
ما حدث في غزة بعودة حكومة الوفاق الوطني لتستعيد سلطتها علي القطاع وتنهي بوفاق فتح وحماس وجميع المنظمات ومؤازرة مصر القوية الانفصال الجغرافي والعقائدي الذي فصل غزة عن الضفة 10 سنوات، وأقام بينهما حاجزاً من الكراهية وصل إلي حد التخوين، وقسم الشعب الفلسطيني بعد حرب أهلية دامية، ومكن إسرائيل من أن تقدم للعالم كل الذرائع للتهرب من مسئولية السلام بدعوي أنها لا تجد طرفاً فلسطينياً واحداً تتحدث معه. ما حدث في غزة يكاد يكون بكل المقاييس معجزة يصعب تصديقها لأن الانفصال الجغرافي والعقائدي كان واقعاً راسخاً، بات من المستحيل إسقاطه لولا جهود مصر التي لم تيأس ولم تكل بفضل مثابرة الرئيس السيسي.
واحد من أوجه هذه المعجزة أن المصالحة الفلسطينية جاءت في إطار اعتراف واضح من حماس بضرورة نبذ العنف والعمل المسلح والتقدم علي طريق التسوية السياسية، رغم أن الذين يحكمون إسرائيل الآن هم أشد صقورها تطرفاً، لا يكفون عن بناء المستوطنات خارج حدود 67 وهم الأكثر عداء لقيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش في أمن وسلام إلي جوار إسرائيل، كما اصطلح المجتمع الدولي، أما وجه المصالحة الآخر الأكثر إشراقاً فيتمثل في ثقة الشعب الفلسطيني الشديدة في أن المصالحة الوطنية هي أول الطريق الصحيح لاسترداد حقوقه وفي الإجماع الفلسطيني علي أن ترتيب البيت من الداخل علي قاعدة وحدة الصف شرط لا غني عنه للتغلب علي صقور إسرائيل وتحقيق السلام، لأنه لا معني لأن يظل الفلسطينيون شيعاً وشراذم ممزقة يحاربون بعضهم بعضاً وهو يواجهون خصماً لدوداً يعمل فيهم القتل كل يوم، ويصر علي إنكار حقوقهم رغم أنها حقوق مشروعة موضع اتفاق المجتمع الدولي، ورغم أنها الحل النهائي الصحيح للصراع العربي ـ الاسرائيلي الذي يضمن سلام الشرق الأوسط وحسن تعايش شعوبه بما في ذلك العرب والإسرائيليون. وجه الإعجاز الثالث فيما حدث أن الجهود التي بذلتها إسرائيل علي امتداد سنوات طوال ربما تكون قد أخذت بعضاً من أولوية القضية الفلسطينية علي سلم اهتمامات السياسة الدولية، لكن القضية بقيت موضوع اهتمام العالم، لم تضعف ولم تمت رغم الأزمة الكورية التي كادت تأخذ العالم إلي حرب نووية كبري، ولا تزال تهدد أمنه لأن كوريا الشمالية أنجزت 6 تجارب نووية ونجحت في إنتاج قنبلة هيدروجينية تصل قوتها إلي 17 ضعف قوة قنبلة هيروشيما يمكن أن يحملها صاروخ باليستى مسافة تزيد علي المسافة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، في سياق شتائم وتهديدات رئيسين كل منهما أشد جنوناً من الآخر، لم تفقد القضية الفلسطينية رغم كل هذه الاهتمامات الجديدة زخمها العالمي، ولم تزل قضية العرب الأولي ولم تزل تؤرق أمن الشرق الأوسط واستقراره، ولم يزل لها أنصار يتزايدون داخل الأمم المتحدة «100 عضو» وداخل منتديات دولية كثيرة، نجحت في أن تجعل فلسطين عضواً كاملاً في مؤسسة الإنتروبول الدولية بأغلبية تتجاوز 75% رغم محاولات إسرائيل المستميتة إفشال القضية. خابت توقعات الإسرائيليين الذين كانوا يتصورون أن القضية الفلسطينية يمكن أن تندثر أو يطويها النسيان لسببين أساسيين يسبقان كل الأسباب أولهما حيوية الشعب الفلسطيني الذي لا يكف عن ابتداع ألوان جديدة من المقاومة الشعبية قادرة علي اختراق كل الموانع، أما السبب الثاني فيكمن في مصر هذا البلد العظيم الذي حمل علي كاهله عبء القضية باقتناع كامل بجدارتها واستحقاقها، وان أولاد إبراهيم يستحقون أمناً وسلاماً يشملهم جميعاً ولا عجب في ذلك لأن الله كلم موسي في الوادي المقدس طوي وعلي أرض مصر تاه اليهود 40 عاماً، ومن باب مصر عاد ياسر عرفات إلي غزة ليموت هناك.
أعرف أن المصاعب القادمة لا يستهان بها، ولا احتاج إلي من يذكرني بسوابق الفشل، لكن أن تتوحد حماس وفتح وكل المنظمات والشعب الفلسطيني، ويهدمون معاً جدران الفصل العقائدي والجغرافي بين غزة والضفة، وخلفهما مصر السيسي تبارك وتساند وتراقب وتضمن وتشكل حكماً عدلاً بين جميع الاطراف لاشك أمر عظيم يستحق التفاؤل، يزيد من أهمية أن عودة حماس إلي الطريق الصحيح يعزز فرص استقرار الأمن في سيناء، ويغلق الطريق علي عصابات داعش هناك، ويسد كل فوهات الأنفاق التي ينفذ منها الإرهاب.
أرسل تعليقك