هل يمكن للرئيس السيسى أن ينقلب فجأة ليصبح ديكتاتورا يحكم مصر والمصريين بالحديد والنار، أوامره نافذة على الجميع دون نقض او ابرام مهما يكن خطؤها او قسوتها، يمنع حرية الرأى والتعبير ويصادر حق الاختلاف ويكبت حرية الصحافة، ويطارد خصومه ومعارضيه يلفق لهم القضايا ويزج بهم فى السجون؟!..، وهل يمكن أن يفعل السيسى مثل الذى فعله الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان بعد الانقلاب العسكرى الاخير، يطرد الالاف من اعمالهم بدعوى تطهير مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء يأخذهم بالشبهات دون محاكمات عادلة، ويغير الدستور كى تتغول سلطاته على الجميع ويصبح رأس السلطتين التنفيذية والتشريعية، يمتهن احكام القضاء ويأخذ المعارضين إلى السجون، سواء كانوا من الصحفيين او من أعضاء النقابات المهنية اوهيئات تدريس الجامعات كما فعل اردوغان،ويفعل ما يريد،يصدر القوانين التى توسع سلطاته ليصبح الحاكم الاوحد الذى يحدد مصير البلاد،!.
وهل يمكن أن يقبل المصريون الذين اسقطوا نظامين للحكم وحاكموا رئيسين فى غضون ثلاثة أعوام، وخرجوا إلى الشوارع فى مظاهرات عارمة تجاوزت أعدادها عشرات الملايين فى كل المدن والعواصم يعلنون رفضهم لحكم المرشد والجماعة، ان يرضخوا لحكم ديكتاتورى جديد يأخذ البلاد مرة أخرى إلى حكم الفرد،ويهدم اسس الدولة المدنية القانونية الديمقراطية التى توافق المصريون على النهوض بها بعد ثورتى يناير ويونيو،ويحول البلاد إلى معتقل وسجن كبير، يغلق الابواب والنوافذ ويصادر السماوات المفتوحة وينزع الاطباق اللاقطة من فوق اسطح ملايين البيوت، ويصادر موجات الاذاعة بحيث لايسمع المصريون سوى صوت الحكم والرئيس؟!.
وأخيرا ماذا يكون حال مصر فى ظل حكم استبدادى شمولى يقتطع مصر فى القرن الحادى والعشرين من عالمها ويحتجز شعبها وراء اسوار العزلة، ويتجاهل موقعها الحاكم الذى جعل منها صرة العالم وملتقى الثقافات والحضارات، وحدد وظيفتها فى أن تكون واسطة العقد بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، يمرعبر بحارها وسماواتها مصالح شعوب وامم العالم اجمع، تملى على مصر بالضرورة ان تكون دولة منفتحة على الجميع توظف موقعها الجغرافى الفريد لصالح شعبها وتجعل منه اهم منطقة لوجستية فى العالم ترعى طرق التجارة الدولية وتعزز روابط الاتصال بين الشعوب، تفيد وتستفيد، وتبقى على دورها التاريخى المتميز بلدا متسامحا ودودا لايكره الاجانب، يحفظ وحدته الوطنية التزام الدولة المصرية بحق المواطنة لجميع ابنائها دون تمييز فى اللون او الجنس اوالدين تحت شعار ابتدعته الثورة المصرية عام 1919 (الدين لله والوطن للجميع)، ويحافظ على نهجه بلدا آمنا يكره العنف والتخريب والعدوان وسفك الدماء، يلقى تعاطفا واسعا فى العالم اجمع ، يصدر الحضارة والثقافة والابداع إلى عالمه الاقليمى المحيط، ويبقى على دوره منارة تقدم وتسامح، ويدافع عن امن الشرق الاوسط واستقراره وينهض بدوره الاستراتيجى حائط صد ضد جماعات الارهاب.
وربما يسهل بجرة قلم الاجابة عن هذه الاسئلة الثلاثة، هل يمكن للسيسى بطبيعته التى يعرفها المصريون ان يصبح ديكتاتورا!؟،وهل يقبل الشعب المصرى وقد تغيرت طبائعه على نحو جذرى بعد ثورة 25يناير ان يقبل حكما ديكتاتوريا يحيل البلاد إلى معتقل كبير!؟،وما هى فرص التعايش بين مصر ومحيطها الاقليمى والدولى فى ظل حكم شمولى ديكتاتوري؟!.
اكاد اسمع أصواتاً كثيرة فى الداخل والخارج تستبق الاجابة الموضوعية الصحيحة على الاسئلة الثلاثة لتؤكد ان الامر ممكن بل ومحتمل، وثمة مخاوف حقيقية على أرض الواقع من ان يقع المحظور ويصبح الرئيس السيسى ديكتاتورا!، لانه يتطلع لعودة حكم الفرد، ويصدر قرارا منفردا بازدواج قناة السويس وبناء عاصمة إدارية جديدة للبلاد!،ويبدى رغبته فى ان يعود الاعلام مرة أخرى إلى عهد عبدالناصر، إعلام حشد لايقبل الحوار والتنوع والاختلاف ويعتبر المعارضة والرأى الآخر رجسا من عمل الشيطان أو عملا خائنا يحض عليه تآمر الخارج!.
أما اصوات الخارج فتلخصها هذه العبارة المحفوظة التى صكها الاعلام الغربى بعد ثورة يونيو التى اطاحت بحكم جماعة الاخوان المسلمين، ولاتزال الصحف الغربية تستخدمها فى كل حديث يأتى على ذكر مصر، مفادها بان (السيسى يحكم مصر إثر انقلاب عسكرى ازاح محمد مرسى أول رئيس مصرى منتخب على نحو ديمقراطي!!)..، وابتداء فان اصغر طفل مصرى لا يصدق هذه العبارة التى صكت قصدا وعناية انتقاما من السيسي، لانه اسقط فى يوليو مؤامرة الغرب مع جماعة الاخوان التى تخلص فى ان تمكن الولايات المتحدة جماعة الاخوان المسلمين من حكم العالم العربى من المحيط إلى الخليج تباعا فى إطار رؤية استراتيجية مشتركة، تجعل من تركيا تحت حكم الرئيس اردوغان بتحالفها الاستراتيجى مع إسرائيل ووضعها داخل حلف الناتو نموذجا للحكم الاسلامى الجديد!، مقابل توقيع اتفاق سلام نهائى يحقق كل شروط إسرائيل واولها تنازل مصر عن مساحة 1500كيلو متر مربع تشكل المسافة بين رفح والعريش، يتم ضمها لقطاع غزة لحل مشكلة تكدسه السكاني، ولكى تصبح غزة إمارة اسلامية منفصلة عن الضفة الغربية تحكمها جماعة الاخوان المسلمين!!.
وإذا كان طبيعيا ان تستخدم قوى الغرب لضرب ثورة يونيو هذه العبارة التى تم صكها بمعرفة اجهزة مخابرات عالمية للتشهير بحكم السيسى وتخويف المصريين من حكم عسكرى ديكتاتورى يحل مكان حكم جماعة الاخوان المسلمين الديمقراطي!، فإن غير الطبيعى ان تحرص بعض قوى الداخل على التحذير من أن يتطابق حكم السيسى مع حكم عبد الناصر، وتصوير عهد عبدالناصر على انه حكم محض ديكتاتورى يريد السلطة من اجل السلطة،لم ينجز شيئا سوى المعتقلات والسجون ومصادرة الحريات العامة، متجاهلين ان عبدالناصر كان يقود ثورة وطنية تستهدف تغيير مجتمع فقير متخلف يستعمره الاجانب منذ مئات السنين، انحصرت الثروة والسلطة فيه فى حدود نصف فى المائة من سكانه وتجاوز عمره الافتراضى بعقود!،مع إغفال متعمد لحقائق واضحة وضوح الشمس،أولاها ان جماعة الاخوان المسلمين هى التى بادرت بإعلان الحرب على ثورة 23يوليو بعد ان رفض الضباط الاحرار اخضاع الثورة لاشراف الجماعة بحيث لا يستطيع مجلس الثورة ان يتخذ قرارا لايرضى عنه مجلس ارشاد الجماعة ، كما ان قوى الغرب هى التى بادرت بالعدوان الثلاثى على مصر، لان عبدالناصر استرد بقرار التأميم قناة السويس وهى حق مشروع للشعب المصري، كما ان حكم عبدالناصر استنزف جهده ووقته دفاعا عن مصر ضد هاتين القوتين: الغرب وجماعة الاخوان المسلمين التى لم يكن يهمها مصلحة الشعب المصري!.
صحيح ان عبد الناصر وقع فى اخطاء قاتلة لان طموحه كان اكبر من امكاناته، ولانه حارب على جبهة واسعة فى الداخل والخارج، ولم ينجح فى بناء حكم ديمقراطى شعبي..، وليس صحيحا ان عبدالناصر كان يملك السلطة منفردا، لقد كان يقاسمه ان لم يكن ينتقص من سلطته سيطرة المشير عبدالحكيم عامر على مؤسسة الجيش، كما ان عبدالناصر لم يكن ستالين روسيا او شاوشيسكو رومانيا يغتال الأرواح والحريات بالجملة، وظل معظم فترة حكمه فى موقف دفاعى ضد تآمر الإخوان والغرب تسانده أغلبية ساحقة من المصريين، وإذا كان نصف فى المائة يمثلون الطبقة الحاكمة القديمة قد عادوا عبدالناصر فان الغالبية الساحقة من المصريين وقفت إلى جواره، ولهذا السبب بقى عبدالناصر أيقونة فى نفوس معظم المصريين رغم خسائره الضخمة، ولو ان عبدالناصر كان مجرد محض ديكتاتور لما خرجت لتشييعه هذه الملايين الضخمة فى مظاهرة حزن عميق عمت البلاد طولا وعرضا، ولما بقى حيا فى ذاكرة المصريين إلى الآن..، ولذلك نظلم انفسنا كثيرا قبل ان نظلم عبدالناصر عندما نصدق ان عبدالناصركان محض ديكتاتور اخضع إرادة المصريين للقهر والاستبداد!.
أما علاقة الرئيس السيسى بالرئيس عبدالناصر، فالواضح جدا لكل من يتابع خيارات الرئيس السياسية والاقتصادية أننا إزاء خيارين وطنيين مختلفين، أملت كلا منهما ظروف المرحلة وتحدياتها، وأظن أنه من الطبيعى توافقا مع رؤى العصر أن ينتصر الرئيس السيسى من رؤيته للتنمية للمشروع والحافز الفردى والقطاع الخاص ويوسع فى فرص مشاركته فى عملية التنمية مع مراجعة شاملة لقطاع الاعمال العام تستهدف ترشيده واصلاحه وتخليصه من قيود البيروقراطية والفساد دون إلغاء مظلة الأمن الاجتماعى فى عصر تهاوت فيه نظم الماركسية اللينينية ابتداء من الاتحاد السوفيتى إلى كل دول اوروبا الشرقية فضلا عن رؤية السيسى لطبيعة الموقع الجغرافى لمصر كواسطة العقد بين الشال والجنوب والشرق والغرب يفرض عليها موقعها الفريد أن تكون دولة منفتحة على العالم ترفض أسوار العزلة وتبنى علاقات جيدة مع الجميع أساسها الندية وتكافؤ المصالح ولا تبحث عن مواجهات مع أى من دول العالم لا مبرر لها دون أن تفرط فى إرادتها السياسية.
فى ضوء هذه الحقائق الاساسية يسهل الاجابة عن الاسئلة الثلاثة مرة واحدة بموضوعية تجعلنا نميز بين الغث والثمين وبين الحقيقة والدعاية وبين ما نريده كجماعة وطنية وما يريده لنا الآخرون..، وابتداء فان السيسى بشخصيته الحانية العطوفة لا يمكن ان يكون ديكتاتورا، واظن انه يعرف بحكم خبرته الطويلة ان المصريين قد تغيروا كثيرا بعد ثورة 25يناير، وان اجيالهم الجديدة ترفض الخضوع لحكم ديكتاتورى لان آباءهم عرفوا كيف يفرقون بين حكم عبدالناصر الذى يدخل فى نطاق حكم الفرد ولم يكن محض حكم استبدادي، ومن المؤكد ان عهد عبدالناصر كان يمكن ان يثمر أفضل من ذلك لو انه سلك طريق الديمقراطية بعد ان نجح فى تحقيق مبادئ الثورة الستة، ومن المؤكد ايضا ان السيسى يعرف جيدا ان القرن الحادى والعشرين لايحتمل حكما ديكتاتوريا فى هذه المنطقة الحيوية من الشرق الاوسط التى تشكل قلب العالم وصرته، فضلا عن ان السيسى يدرك أهمية توافق كل القوى الوطنية على النهوض بمصر دولة مدنية قانونية ديمقراطية.
ولا أظن أن الرئيس السيسى اتخذ قرارا ديكتاتوريا يستحق المؤاخذة الدستورية، لأنه ما من قرار أو قانون صدر فى غيبة البرلمان أو خارجه منذ أن تسلم البرلمان سلطاته التشريعية باستثناء قرار الإفراج عن بعض مئات من الشباب الذين أصروا على عدم احترام الدولة وتجاهلوا قواعد القانون الذى ينظم عملية التظاهر وصدرت ضدهم أحكام قضائية، واستخدم الرئيس سلطاته فى الإفراج عن هؤلاء حرصا على مستقبلهم واستجابة لنداءات شعبية كثيرة، ولا يمكن أن نعتبر قراره بتوسيع قناة السويس أو بناء العاصمة الإدارية الجديدة قرارات ديكتاتورية، لأنها من صميم اختصاصه كرئيس للسلطة التنفيذية فضلا عن عدم وجود أية موانع تحصنها من النقد أو الاعتراض أمام البرلمان وخارجه!
غير ان ما ينبغى تأكيده ان من مصلحة المصريين جميعا ان يكون الرئيس السيسى رئيسا قويا بمؤازرة شعبه وسلطة القانون، يملك قدرة الحسم ويملك نظاما للحكم له اظافر وانياب تطول الفاسدين والمهملين والسارقين بقوة القانون وضمان خضوع الادارة لمتطالبات نزاهة الحكم..، وهو نفسه قد اعلن بوضوح قاطع ان الشعب المصرى الذى خلع رئيسين فى غضون فترة زمنية محدودة يمكن ان يفعلها مرة ثالثة إذا وجد نفسه مضطرا لتصحيح أوضاع ومسار البلاد.
أرسل تعليقك