القاهرة _ اليمن اليوم
كان الأردن ولايزال يأمل في ان تكون قمة عمان العربية التي تنعقد في أواخر مارس الحالي قمة غير تقليدية في حضورها وادائها وجدول أعمالها،قمة فاصلة حاسمة تختلف عن غيرها من القمم،ترتفع مسئولياتها إلي حد التحديات الضخمة التي تواجه العالم العربي كما حدث في قمم عربية تاريخية سابقة استنهضت الامة من واقعها المتعثر إلي آفاق جديدة، علي أمل أن تحقق قمة عمان بعض طموحات الشعب العربي وتستنهض التضامن العربي من واقع ممزق يسوده الخلافات والصراعات الجانبية،ترفع شعار المصالحة العربية الشاملة وتكرس جهدها من أجل إعادة توحيد الصف العربي، وتنهي مرحلة مريرة من الهوان والضعف أغرت قوي إقليمية متربصة، إسرائيل وإيران وتركيا، علي التدخل في الشأن العربي وتهديد أمنه واختراق حدوده، وزادت من اجتراء القوي الدولية علي الاستهانة بحقوق العرب وإهدارها.
كان الامل ولايزال ان يحظي العرب بقمة من نوع مختلف، يكبر حشدها ليشمل غالبية القادة العرب تأكيدا علي توحد اراداتهم السياسية، تكرس الجزء الاكبر من وقتها وجهدها لمشاورات جادة وشفافة داخل القاعات المغلقة تصفي أولا بأول الخلافات العربية العربية وترسم معالم خارطة طريق واضحة للعمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الضخمة التي تواجه العرب، وتختصر جدول أعمالها الذي يضم عادة ما يقرب من 50بندا بعضها مكرر ومعاد في أولويات ملحة تفرض نفسها علي الواقع العربي، وقد انكشفت مثالبه ونقاط ضعفه، وبات واضحا للجميع ان الأخطار تحاصره من كل جانب تضيق الخناق علي معظم دوله، في الوقت الذي لايملك فيه العرب خطة دفاع استراتيجية تحافظ علي مصالحهم العليا منذ ان أهدر العرب اتفاقية الدفاع المشترك التي تم توقيعها عام 1951إلي ان اختلفوا أخيرا علي انشاءقوة عربية مشتركة تمكنهم من مواجهة الارهاب علي أي بقعة عربية فقرروا تجميد المشروع وحفظه في ثلاجة الامنيات المستحيلة!.
ويزيد من حجم الآمال في قمة عربية جديدة من نوعها يتوافر فيها الملوك والرؤساء علي بناء استراتيجية دفاع متكاملة،ان المشاكل باتت أكثر تعقيدا وتشابكا، تتابع علي العالم العربي في صورة عاصفة هوجاء تنذر بعواقب وخيمة، تتطلب زيادة جرعة التشاور الجماعي بين القادة العرب لانه لم يعد بمقدور دولة عربية بمفردها ان تواجه هذه المشكلات التي لم تعد تقتصر علي جرائم الارهاب الذي يخرب الدول ويدمر المدن ويقتل ويشرد الملايين إلي حد ان العرب باتوا يشكلون 50%من عدد اللاجئين في العالم، بينما يشكلون 5% فقط من سكانه، وفي الحساب المفصل هناك ما يقرب من 12مليون لاجئ سوري مشردين في ارجاء العالم اجمع تغلق معظم الدول ابوابها في وجوههم، واربعة ملايين لاجئ عراقي إضافة إلي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني!.
وثمة مشكلات أخري غير خطر الارهاب لها آثارها الوخيمة التي لاتقل خطورة تتمثل في الانخفاض المخطط لأسعار البترول، وتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات البطالة إلي معدلات تتجاوز في المتوسط 20%،وجميعها يهدد الامن والاستقرار في العالم العربي، خاصة ان 60%من سكان المنطقة العربية دون الـ30عاما يتوقون إلي ان يعيشوا في عالم عربي مختلف تتوافر فيه فرص العمل الكريم، وينهض بمشروعات تنموية ضخمة تساعد علي تحسين جودة حياتهم، وترقي فيه السلطة إلي مستويات الحكم الرشيد الذي يلتزم العدل والديمقراطية والحفاظ علي حكم القانون واحترام حقوق الانسان..،وتبلغ المأساة العربية ذروتها في ثلاث مشكلات كارثية دمرت ثلاث دول عربية، سوريا وليبيا واليمن تزحف مخاطرها علي العالم العربي اجمع وتشكل تهديدا مصيريا لبقائه ووجوده، ما لم ينجح العرب في حصار هذه المخاطر وتصفيتها بعد ان تحولت الحروب الثلاث إلي بؤر تفرخ كل يوم المزيد من جماعات الارهاب!.
في عين هذه العاصفة الهوجاء التي تضرب عالمنا العربي يقع الاردن الدولة التي تستضيف القمة في نهاية مارس الحالي علي مسافة مرمي حجر من المأساة السورية، والوضع العراقي الذي يحاول لملمة شتاته، يعاني من تدفق ملايين المهاجرين من الدولتين سوريا والعراق تثقل كاهله الاقتصادي، وتوجد علي حدوده مجموعات عديدة من المعارضة السورية المسلحة التي تهدد امن واستقرار جنوب سوريا، منذ ان انطلقت شرارة الثورة الاولي من مدينة درعا، وتؤرق امن شمال الاردن، فضلا عن المخاطر الاخري التي يتعرض لها الاردن نتيجة مضاعفات القضية الفلسطينية، ومحاولات الاسرائيليين الدؤوبة الاجهاز علي حل الدولتين وابتلاع الضفة الغربية والقدس اللتين يسكنهما الآن أكثر من 600 الف مستوطن إسرائيلي!.
ولهذه الاسباب يرغب الاردن في قمة عربية ناجحة تحقق انجازا واضحا وملموسا يستنهض الامة من كبوتها، قمة غير تقليدية تكرس الجزء الاكبر من جهودها لجلسات تشاورية مغلقة تمكن القادة العرب من مواجهة مشكلاتهم الكبري بالصراحة والشفافية الكاملة تحقق المصالحة العربية الشاملة، وتضع علي رأس اولوياتها إحياء العمل العربي المشترك في إطار استراتيجية شاملة تواجه هذه التحديات بعمل عربي جماعي منظم، وتسعي الي انهاء الحروب الاهلية الثلاث في سوريا واليمن وليبيا بعد ان تحولت الي مفارخ لجماعات الارهاب، وتتوافق على خطة عمل مشتركة تنظم علاقات العرب مع الادارة الامريكية الجديدة، وتكرس الجهد العربي لمشروع تنموي ضخم يلبي طموحات شباب العرب الذين يشكلون 60% من حجم سكانه ويمثلون أهم عناصر استقرار المجتمعات العربية جميعا دون استثناء.
وما من شك أن صلات العاهل الاردني الملك عبدالله الجيدة بكل الدول العربية سوف تضمن حضور حشد ضخم من الملوك والرؤساء العرب إلي قمة عمان، يتصدره العاهل السعودي الملك سلمان الذي يأتي من اجازته في جنوب شرق آسيا مباشرة إلي الاردن، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والشيخ صباح الاحمد أميرالكويت والرئيس الفلسطيني محمود عباس وآخرون يشكلون غالبية القادة العرب،لكن التحدي الحقيقي الذي يواجه الدولة المضيفة رغم هذا الحشد الضخم من الرؤساء والملوك يكمن في مدي قدرة الاردن يعاونه امانة الجامعة العربية علي إقناع القادة العرب بضرورة توسيع نطاق الجلسات التشاورية المغلقة التي تمكن القادة العرب من إدارة حوار حقيقي شفاف يساعدهم علي تصفية خلافاتهم، وتحقيق المصالحة الشاملة، ويمكنهم من التوافق علي استراتيجية واضحة المعالم تعيد للعمل العربي المشترك دوره المأمول في استنهاض الامة، وتنظم جهودهم دفاعا عن مصالحهم ومصائرهم في خطة دفاع مشترك تتصدي لمخاطر الارهاب، ومحاربة جماعاته وفكره،تضمن التزام كل الدول العربية بضوابط واضحة تمنعها من تقديم اي عون مادي اومعنوي لهذه الجماعات بما يضمن تجفيف منابعها المالية، وعدم إعطائها ملاذات وممرات آمنة، لانه من غير المعقول وغير المقبول ان يعترف العرب جميعا بخطر الارهاب الذي يدق جميع ابوابهم دون استثناء، ثم يتقاعسون عن المشاركة في جهد جماعي منظم يمكنهم من كسب هذه الحرب واجتثاث جذور هذه الجماعات!..،وثمة ما يشير الي رغبة الاردن في ان يصدر عن قمة عمان اعلان سياسي مهم يبلور المواقف المشتركة للدول الاعضاء في مواجهة هذه التحديات، ويحدد خطوات المستقبل في إطار استراتيجة شاملة يلتزم بها كل الاعضاء.
وتتقاطع مع رغبة الاردن وعدد من الدول الأعضاء، بينها مصر في قمة غير تقليدية تؤذن بمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك رؤية عربية أخري أكثر تحفظا، تعتقد ان الواقع العربي الراهن لايتحمل في هذه الفترة العصيبة افكارا كبري تستهدف إعادة هندسة سياسات وأوضاع العالم العربي علي نحو شامل، بقدر حاجته إلي تهدئة شاملة تساعد العالم العربي الذي يزداد تفتتا وتمزقا علي وقف انحداره إلي هذا الدرك الصعب بما يمكنه من التقاط بعض أنفاسه، بحيث تصبح الأولوية المطلقة لوقف القتال وإسكات المدافع وإزالة رائحة الدم التي تفوح من ارجاء كثيرة في العالم العربي!..، وفي ضوء هذه الرؤية المتحفظة ربما يكون توافق قمة عمان علي تخصيص جلسة واحدة مغلقة لمشاورات شفافة تجري بين القادة العرب انجازا كبيرا لايستهان به، خاصة اذا شملت هذه الجلسة التشاورية ملف المصالحات العربية الذي يشهد جهودا كبيرة تجري في الكواليس العربية قبل عقد القمة يشارك فيها الاردن والامارات والكويت، تساعد بالضرورة علي استعادة التضامن العربي، وتقريب المواقف المتباينة في الازمة السورية بما يعجل بإنهاء الحرب الاهلية، وانجاز تسوية سياسية تقبلها كل الأطراف، تعطي للسوريين القول الفصل في قضية مصير الرئيس بشار الاسد، من خلال انتخابات رئاسية جديدة تجري تحت اشراف الامم المتحدة، يشارك فيها كل السوريين في الداخل والمهجر.
ولانه ليس بالسياسة وحدها تنجح القمم العربية، يعتقد تيار كبير داخل القمة بانه سوف يكون من حسن الفطنة ان تركز قمة عمان علي تحقيق ما يمكن تحقيقه من بنود سياسية يزدحم بها جدول اعمال القمة يصل عددها هذه المرة الي 16بندا، لكن تركيزها الاكبر ينبغي ان يكون علي القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف تعزيز البنية الاساسية في العالم العربي بما يمكنه من تحقيق تواصل مستمر من خلال طرق وموان وممرات جديدة، وإرساء الشروط الصحيحة لقيام السوق العربية المشتركة التي طال انتظارها، وتحسين خدمات الصحة والتعليم والثقافة، والتوافق علي مشروع تنموي ضخم يستوعب آمال شباب العرب الذين يشكلون النسبة الاكبر من سكان عالمنا العربي، ويتوقون إلي تغيير شامل في احوالهم الاقتصادية والاجتماعية يرتفع بمستوي جودة حياتهم ويمكنهم من ان يكونوا شركاء حقيقيين في صنع مستقبل وطنهم..،وسواء نجحت جهود الاردن في انجاز قمة غير تقليدية تزيد من فرص التشاور الشفاف بين الرؤساء والملوك، او بقيت القمة علي حالها القديم بجدول اعمالها المزدحم الذي يشتمل علي بنود معظمها مكرر ومعاد، وتخصيص الجزء الاكبر من وقتها لجلسات علنية مفتوحة يخاطب فيها القادة العرب شعوبهم بأكثر من مخاطبة التحديات والمشكلات الكبري التي تواجههم علي نحو جماعي،فالامر الذي لاشك فيه ان المعيار الصحيح لنجاح القمة العربية كما يراه الامين العام للجامعة العربية أحمد ابوالغيط يكمن في تعزيز فرص العمل العربي المشترك في اطار استراتيجية شاملة يتوافق فيها الجميع علي إعطاء الاولوية الملطقة لإطفاء الحرائق التي تشتعل علي جنبات عالمنا العربي لان استقرار المطلقة رهن باستقرار أقطارها، ولان الجامعة العربية تظل العنوان الوحيد والجسر الاهم الذي يعبر العمل العربي المشترك والمنصة الوحيدة التي تجعل من العمل العربي المشترك عملا مؤسسيا ينظم جهود العرب الجماعية دفاعا عن أمن العالم العربي ومصالحه العليا.
أرسل تعليقك