بقلم - د.أسامة الغزالي حرب
فى نحو عام 1957 وفى حوار لوالدى رحمه الله مع أحد أقاربه بالريف، كان يحدثه فيه عن نزاعه مع بعض جيرانه، قال له تعبيرا لم أنسه وهو أنه وجه له «إنذارا روسيا»! قاصدا أنه أعطاه مهلة نهائية لتسوية خلاف بينهما. وبداهة فإن الرجل كان يقصد الإنذار الذى وجهه بولجانين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى إبان العدوان الثلاثى على مصر بضرب لندن وباريس بالصواريخ إذا لم يوقفا عدوانهما الذى شناه بالتواطؤ مع اسرائيل فى 30 أكتوبر 1956. إن هذا الانطباع لدى المواطن المصرى العادى بالثقة فى «روسيا» كان أمرا منطقيا فى غمار المواجهة بين مصر الناصرية وبين الدول الاستعمارية، ثم تضاعف وترسخ مع وقوف الاتحاد السوفيتى إلى جانب مصر فى معركة بناء السد العالى ...وبقية القصة معروفة وصولا إلى حرب 1973 المجيدة التى خاضها الجيش المصرى بالسلاح الروسى المتقدم. غير أن أمورا كثيرة تغيرت عبر ما يزيد على أربعين عاما، فالاتحاد السوفيتى تحول إلى جمهورية روسيا الاتحادية، بعد تفكك وانهيار الشيوعية، ومصرالآن ليست مصر السادات ولا مبارك. وقد دعمت روسيا الثورة المصرية فى 25 يناير، ثم فى 30 يونيو، وتولى الرئيس السيسى الحكم، حيث تتصدر العلاقات بين البلدين اليوم قضايا جديدة تماما أهمها بناء المحطة النووية بالضبعة على الساحل الشمالي، واستئناف الطيران السياحى الروسى إلى مصر بعد توقفه لما يزيد على العامين عقب سقوط الطائرة الروسية المأساوى فى شمال سيناء فى أكتوبر 2015 اقتناعا من الجانب الروسى بوفاء السلطات المصرية بكل إجراءات ومعايير الأمان فى المطارات المصرية. أمس الأول تم التوقيع على عقد إنشاء محطة الضبعة النووية، وعلى اتفاق لإقامة منطقة صناعية بمنطقة القناة فضلا عن الشروع فى استئناف الطيران بين البلدين. وهكذا، وبعد أربع ساعات قضاها بوتين فى مصر، تبدلت العلاقات بين البلدين جذريا من حال إلى حال!
أرسل تعليقك