بقلم/عمرو الشوبكي
حصل مرشح الوسط إيمانويل ماكرون على 66.1% من أصوات الناخبين وأصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية بعد أن فاز وباكتساح على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التى حصلت على 33.9% من أصوات الناخبين، فى حين امتنع حوالى 25% من الناخبين عن الاقتراع، أما التصويت الأبيض (الباطل) فبلغ حوالى 8%.
لقد أوقف انتصار ماكرون تقدم موجة اليمين المتطرف العالمية، وتنجح فرنسا فى تقديم خبرة مختلفة تماما فى التعامل مع هذه التيارات خاصة بعد وصول ترامب للسلطة، وتصور تيار واسع فى الشرق والغرب أن هذا التيار بتطرفه سيحكم العالم.
ويعتبر إيمانويل ماكرون أصغر رئيس سناً منذ تأسيس الجمهورية الخامسة على يد الجنرال ديجول عام 1958، فهو يبلغ من العمر 40 عاما، وأسس حركة سياسية شابة (إلى الأمام) منذ حوالى عام تستعد لخوض الانتخابات التشريعية فى بداية الشهر القادم، وستواجه تحديات كبيرة، نظرا لحداثة عمرها وارتباط كثير من الناخبين فى الانتخابات التشريعية القادمة بنواب متمرسين ولهم جذور فى دوائرهم الانتخابية.
وكما سبق أن أشرنا، فإن فوز ماكرون فى انتخابات الرئاسة الفرنسية يرجع إلى رغبة تيار واسع من الفرنسيين فى إحداث عملية تجديد سياسى وجيلى للنخبة السياسية الفرنسية، فهو أول رئيس منذ تأسيس ديجول الجمهورية الخامسة عام 1958 من خارج المعسكرين التقليديين: يمين الوسط الديجولى، واليسار الاشتراكى، ودفع هذا الاقتسام للسلطة بين التيارين منذ 60 عاما، إلى تمرد قطاع واسع من الفرنسيين على هذه الصيغة التقليدية والبحث عن صيغ بديلة، منها صيغة اليمين المتطرف، وصيغة الوسط الليبرلى التى مثلها ماكرون.
المفارقة أو الظاهرة الأولى أن الشاب ماكرون حصل على أصوات كبار السن أكثر من أصوات الشباب، صحيح أنه تقدم فى أصوات الشباب بنسب فاقت قليلا النسبة التى حصل عليها على المستوى الوطنى العام، إلا أن الدلالة المهمة والاستثنائية تمثلت فى حصول ماكرون على 70% من أصوات من تراوحت أعمارهم ما بين 60 و69 عاما، كما حصل على 78% من أصوات من تجاوز عمرهم 70 عاما، وهو رقم هائل، ويمثل عكس النسب التى عرفتها بريطانيا أثناء الاستفتاء على خروجها من الاتحاد الأوروبى، حيث صوت كبار السن مع خطاب الانغلاق والخروج من الاتحاد الأوروبى، وصوت الشباب مع البقاء داخله، فى حين أن تصويت الفرنسيين من كبار السن كان بصورة كاسحة مع مرشح شاب منفتح على أوروبا والعالم.
أما الظاهرة الثانية اللافتة، وتتأكد فى كل انتخابات أوروبية وأحيانا شرق أوسطية، فهى الفارق بين تصويت المدن والريف، فقد حصل ماكرون على نسب استثنائية فى المدن الكبرى، فنال 89% من أصوات الناخبين فى العاصمة باريس، وحصل فى ليون على 84% من أصوات الناخبين، و85% فى مدينة بوردو، و78% فى ليل، و82% فى تولوز، و77% فى مونبلييه (المدينة التى درس فيها طه حسين).
ستبقى نتائج انتخابات الرئاسة الفرنسية علامة فارقة فى تاريخ هذا البلد وأوروبا، وستفتح الباب أمام محاولة جديدة لإصلاح المنظومة السياسية التى تحكم البلاد منذ 60 عاما من داخلها، وإلا ستواجه مزيدا من التحديات والمشاكل، أبرزها نجاح اليمين المتطرف فى تشكيل بديل حقيقى لحكم البلاد.
أرسل تعليقك