بقلم/ صلاح منتصر
لست من جرحى أو ضحايا ثورة يوليو 52 ، فلم يأخذوا منى شبرا من أرض أو وضعونى تحت الحراسة يوما أو أمموا مشروعا أمتلكه أو حتى أوقفونى عن عملى فى الصحافة التى بدأت مشوارها فى دار أخبار اليوم فى يناير 1953 بعد ستة أشهر فقط من الثورة .
وكما أننى لم أكن من جرحى الثورة فإننى لم أكن من الذين تفضلت عليهم ، فعندما قامت الثورة كنت فى السنة الثانية بحقوق عين شمس، وقبل ذلك عندما بلغت الثامنة عشرة كنت قد تمكنت بدافع التربية الدمياطى التى تقدس العمل، من التعيين فى وظيفة حكومية فى حسابات مصلحة الطيران المدنى بشهادة الثانوية العامة (كان اسمها التوجيهية وأظنه الاسم الصحيح) وكنت أتقاضى راتبا شهريا يبلغ 11 جنيها وكذا قرش وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك الزمان كان يسمح للرجل أن يفتح بيتا !
وفى وقت واحد فقد كنت أعمل صحفيا وموظفا فى الحكومة ، وفى نفس الوقت طالبا بحقوق عين شمس ، وهو ماجعلنى أتعايش مع أحداث الثورة منذ بدايتها. وقد آمنت بها إيمانا قويا لدرجة أننى اختلفت لأول مرة مع أخى رحمه الله الذى يكبرنى بعشر سنوات ويوم واحد والذى كان متأثرا بالانقلابات العسكرية التى شهدتها سوريا .
تغير موقفى نفسيا بعد «نكسة 67» فقد كنت وقتها مسئولا عن كتابة أخبار هذه الحرب ، وقد اكتشفت أن ما كتبته للقراء كان وهما تأكدت فساده فى اليوم الخامس رغم أن الصالة التى كنت أجلس فيها بالأهرام كانت بجوارها غرفة تضم آلات وكالات الأنباء التى تصل عليها الأخبار الحقيقية. لكن الغرفة ظلت مغلقة بمفتاح مع سكرتيرة الأستاذ هيكل رئيس التحرير التى كانت تدخل كل ساعة لقطع أوراق الأخبار القادمة وإخفائها بعيدا عنا فى مكتب الأستاذ ، فى الوقت الذى لم تكن هناك إذاعة واحدة أجنبية أو قناة تليفزيونية أو فيس بوك أو تويتر أو محمول يمكن أن يحمل إلينا أى ظل للحقيقة .
السنون فاتت وقد وصلت 65 سنة وعندما أكتب اليوم عن الثورة فإننى أكتب بأمانة شهادة سليمة من غرض أو مرض والله شاهدى .وإلى الغد.
أرسل تعليقك