بقلم/ صلاح منتصر
قبل عام انصرف دون استئذان أستاذى على المستوى الخاص وأستاذ ثلاثة أجيال من المشتغلين بالصحافة والكتابة . والواقع أننى لم أعرف شخصا قسا على نفسه فى ترتيب حياته وبرنامجه ومواعيده على امتداد 74 سنة حتى وهو فى قمة مجده وعلوه كما فعل الأستاذ. ولهذا تصور كثيرون عند ما استأذن فى الانصراف عند بلوغه الثمانين أنه أسدل الستار، فى الوقت الذى كان يقصد التزاما جديدا ينتقل به من الكتابة الصحفية الى تأليف الكتب ثم الى الكلمة التى تقال عبر التليفزيون لأنها الأسرع. لكن الأستاذ الذى رتب كل شىء بنظام، لم يستطع أن يرتب رحيله وانصرف بدون استئذان، وهذه هى طبيعة الموت ولغزه .
كان من حظى أن عرفت الأستاذ هيكل 63 سنة بدأت بعد شهرين من دخولى أخبار اليوم وعملى معه فى مجلة آخرساعة ـ وكانت أكبر مجلات ذلك الوقت ـ وقد رأس تحريرها وهو فى التاسعة والعشرين وقبل ثورة يوليو 52 ، وقبل أن يلتقى جمال عبد الناصر . وكان اسم محمد حسنين هيكل يتصدر صحيفة أخبار اليوم من خلال تحقيقاته الصحفية التى انفردت بطريقته المميزة التى لا يفيق منها القارئ إلا مع كلمة النهاية .
وقد كنت مع الزميل الراحل محمد وجدى قنديل أول تلاميذ الأستاذ ، وهو » وصف » أعطانا فى أخبار اليوم حصانة خاصة ونظرة اعجاب الآخرين رغم أن سنى كانت يدوب 19 سنة . وقد مكننى هذا من اكتشافى مبكرا أن الأستاذ سبيكة نادرة غير قابلة للتكرار ، وأن من حاول تقليده فشل وسقط . فلم يحدث فى تاريخ المهنة أن امتلك رجل ما امتلكه هيكل من اتصالات وقراءات فى مختلف التنوعات وترتيب فى حياته يخضع لبرنامج قاس يلتزم به مهما كانت الظروف وتعليم لذاته لا يتوقف . ولو سئلت عن أهم ما تعلمت من الأستاذ لقلت : تعلمت منه تقديسه حياة الزوجية ، وملبسه الأنيق ،وربطات عنقه قبل وفاة ناصر،والأحذية بدون رباط ، واعتداده بكرامته ، واحترامه مهنته ، وعدم لوم زميل أمام زميل آخر، واستخلاص أفضل مالدى الآخرين، ومن قبل وبعد أن الصحافة رسالة والكتابة بحث ومعلومات وتعمق ودراسة وأمانة.
أرسل تعليقك