بقلم _ د. وحيد عبدالمجيد
يزداد حنين الناس إلى الماضى فى مراحل معينة تختلف طبيعتها من مجتمع إلى آخر. غير أن المرحلة الراهنة تشهد ما قد يجوز اعتباره الموجة الأقوى لهذا الحنين فى مجتمعات متقدمة ومتخلفة وصاعدة على حد سواء.
وربما تعود قوة الحنين إلى الماضى فى هذه المرحلة إلى حالة خواء بسبب تراجع أداء المؤسسات السياسية فى عدد معتبر من دول العالم، وندرة القادة الذين يؤدى وجودهم إلى إعطاء ثقة، ويُطلق عليهم قادة كاريزمايتون، أى لديهم حضور قوى وتأثير طاغ.
ويتجلى هذا الحنين فى بريطانيا مثلاً، كما لم يحدث منذ عقود طويلة، منذ أن بدأ عرض فيلم (الساعة الأكثر دُكنة) Darkest Hour، الذى تدور أحداثه الفترة التى حققت فيها القوات الألمانية تقدماً كبيراً فى بداية الحرب العالمية الثانية، وأصبحت على أبواب فرنسا وبلجيكا.
يقدم الفيلم رؤية فنية جديدة لدور تشرشل التاريخى بعد أن رشحه حزبه (المحافظون) لرئاسة الحكومة بديلاً لتشامبرلين الذى فقد ثقة البرلمان. كانت لحظة داكنة جداً بالنسبة لبريطانيا التى حوصر عشرات الآلاف من جنودها فى منطقة ميناء دونكرك فى شمال فرنسا، ووصلت الروح المعنوية فيها إلى الحضيض.
كان على تشرشل أن يعيد إلى الناس الثقة فى قدرة بريطانيا على مواجهة الغزوة الألمانية. ونجح فى هذه المهمة، وتمكن من قلب موازين الحرب، بعد أن كان غير قليل من السياسيين يشكون فى قدرات هذا الرجل البدين الذى يدخن طول الوقت، ويشرب كثيراً.
ويروى صانعو الفيلم أحداث تلك الفترة وفق رؤيتهم التى أضفت عليه ثراءً من خلال تفاصيل يمتزج فيها التاريخ بالخيال الفنى، حول مواقف السياسيين وأعضاء البرلمان تجاه تشرشل، وطريقة إدارته للحرب، وعلاقاته مع المحيطين به مثل زوجته وسكرتيرته.
ورغم أن أفلاماً عدة صُنعت من قبل عن تشرشل، هذا الفيلم بأنه يعنى بالعلاقات السياسية والشخصية والإنسانية أكثر مما يهتم بالمعارك العسكرية رغم أن أحداثه تدور فى قلب نار حرب ضروس.
ولكن أهم ما يميزه أنه يُعرض فى لحظة يشعر فيها كثير من البريطانيين بالقلق من المستقبل، فى ضوء صعوبات خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبى، وتصاعد الصراع فى العالم، على نحو يدفع للحنين إلى ماض كانت بريطانيا فيه أكثر ثقة واطمئناناً.
أرسل تعليقك