بقلم/د. وحيد عبدالمجيد
لم يتوقف عن العمل على مدى أكثر من 60 عاماً. والعمل بالنسبة إلى الراحل الكبير الأستاذ السيد يسين يعنى البحث المنهجى بعين فاحصة وعقل نقدى يقارن ويناقش لكتابة نص لا يعرف القارئ حجم الجهد المبذول فيه، ونوع هذا الجهد. ينطبق ذلك على مقالة قصيرة، كما على دراسة طويلة تُنشر فى كتاب أو فى إحدى الدوريات. فالكتابة المنهجية لا تتجزأ. ولا يستطيع باحث نشأ على قواعد البحث العلمى إلا أن يكون منهجياً فى كتابته حتى عندما يكتب تعليقاً أو تحليلاً سريعاً لحدث معين.
لم يعد هذا النوع من الكتابة شائعاً فى مصر منذ فترة غير قصيرة، فقد صارت الكتابة مهنة من لا مهنة له،. وأصبح كل عابر سبيل كاتباً، وصار لدينا كتاَّب أكثر من القراء. وقليل الآن هم من يقرأون قبل أن يكتبوا.
ولذلك كان الاستغراب يصيب بعض من يدخلون مكتب الراحل الكبير فيجدونه غارقاً وسط ملفات كثيرة يُقَّلب فيها، ويُبحر فى فضاء “الإنترنت” فى اّن معاً. لم يستعن بالآفاق اللامحدودة لتكنولوجيا المعرفة عن المصادر التقليدية التى نشأ عليها جيله، وجيلان على الأقل عملوا معه فى مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الذى تولى مسئولية إدارته عام 1975.
حقق السيد يسين نقلة كبيرة فى عمل هذا المركز ونشاطه، من مركز تخصص فى الدراسات الفلسطينية والصهيونية (كان هذا هو اسمه عند تأسيسه عام 1968) إلى مركز للدراسات السياسية والإستراتيجية لا يُهمل البحث فى الصراع العربى-الصهيونى، ولكنه لا يقتصر عليه.
وضع الراحل الكبير خطة لتطوير عمل هذا المركز على أسس علمية، ولكن دون إغفال أنه جزء من مؤسسة صحفية كبرى. وكان إسهام المركز فى صحيفة “الأهرام” اليومية، وإصدارات المؤسسة الأخرى بعد ذلك، جزءاً من هذه الخطة. وبفضل التقاليد التى أرساها السيد يسين، اكتسب المركز مكانة فى أوساط مراكز التفكير العالمية، وتمكن كثير من باحثيه وخبرائه من تقديم إسهامات مهمة فى مجالات معرفية مختلفة.
أما إسهامات الراحل الكبير تنظيراً وتحليلاً وتوثيقاً فى مجال العلم الاجتماعى وغيره، منذ كتابه “ أسس البحث الاجتماعى “ الذى كان فتحاً منهجياً فى وقته ( 1963 ), فستبقى مراجع أساسية لأى باحث مجتهد أو كاتب جاد.
أرسل تعليقك