بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس غريباً أن تكون مع الغرب، وضده، فى آن معاً. كثير من العرب، والشرقيين عموماً، كذلك. يمكن أن تكون مع الغرب للاستفادة من نهضته التى غيرت وجه الحياة على الأرض، منذ القرن الثامن عشر، ومازالت. فى هذه النهضة ما يمكن، بل ما ينبغي، استلهامه وليس نقله كما هو فقط.
ويمكن أن تكون ضد الغرب فى بعض سياسات هذه الدولة أو تلك من دوله، منذ العصر الاستعماري. ألحقت سياسات الهيمنة الغربية أضراراً متفاوتة بالبلدان التى خضعت، أو أُخضعت، لها.
يبدو من الطبيعي، إذن، أن يكون الشخص مع الغرب فى أمور، وضده فى غيرها. لكن قد يكون غريباً أن يبدى المرء الحماسة نفسها. فيما يعجبه فى الغرب، وفيما يرفضه فيه، أيضاً. وربما يكون المفكر الراحل سلامة موسي، الذى حلت الذكرى الستون لرحيله قبل أيام، أحد أكثر من أيدوا القدر نفسه من الحماسة فيما نقلوه عن الغرب، وفيما رفضوه فيه. فقد آمن إيماناً جازماً بأن اتباع خطى الغرب هو السبيل الوحيد لمواجهة التخلف، وتحقيق النهضة والتقدم. شاركه مفكرون ومثقفون مصريون، وعرب آخرون، الإيمان بإعلاء شأن العقل، والأخذ بأسباب العلم، وتحرير المجتمع من قيود اجتماعية وثقافية تكبله، فى إطار رؤية كانت جديدة وقتها للإنسان والكون. لكن طريقته فى تقديم ما آمن به كانت صادمة فى الأغلب الأعم لقطاع معتبر من المجتمع. ولذلك هوجم، كما لم يُهاجم أحد فى الثلث الأول من القرن الماضي، وخصوصاً عندما شرح نظرية دارون فى النشوء والتطور، وكذلك عندما عبر عن إيمانه باشتراكية لم تكن مألوفة فى ذلك الوقت. كان الهجوم عليه متواصلاً، بخلاف ما حدث مثلاً فى حالة د. طه حسين الذى هوجم بسبب كتابه فى الشعر الجاهلي.
وبالحماسة نفسها، وقف سلامة موسى ضد الاستعمار الغربي، ولم يكتف بالتعبير عن رفض الاحتلال البريطاني، بل تحرك ضده، وسعى لتحويل شعار مصر للمصريين إلى عمل على الأرض عن طريق تأسيس جمعية المصرى للمصرى التى حثت المصريين على مقاطعة السلع الإنجليزية.
كان الراحل الكبير علماً من أبرز أعلام الثقافة والفكر فى عصره. ولكن تراثه لم يلق العناية الواجبة بعد.
المصدر :جريدة الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك