بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
ساد اعتقاد قوى لفترة طويلة فى أن تلويث النيل يبدأ تدريجياً فى محافظات جنوب الصعيد، ويبلغ ذروته الأشد خطراً فى الجيزة والقاهرة. غير أن تعليقاً وصلنى متأخراً على اجتهاد نشر فى نوفمبر الماضى، تحت عنوان «النيل .. والريفيرا» يُصحح هذا الاعتقاد، ويوضح أن تلويث نهرنا الخالد يبدأ فى أسوان، نتيجة الصرف المنزلى فى مصارف تصب رأساً فيه, بسبب عدم وجود صرف صحى.
كاتب التعليق جابر حسن عبدالله سليم مقيم فى قرية دهميت بقصر النوبة فى أسوان. وهو يروى قصة المحاولات التى بذلها لإقناع المسئولين عن البيئة فى هذه المحافظة بالتحرك وإثارة الموضوع سعياً لحل مؤقت، إلى أن يتيسر إنشاء محطات للصرف الصحى فى قريته، وغيرها من القرى. وطرح عليهم البدء بخطوة لإثبات وقائع ما يحدث، وتحرير محاضر لدى الشرطة، أملا فى اتخاذ خطوات تالية. وإذا كان هذا السد يمثل تهديداً لجزء من حصة مصر فى مياه النيل، فالتلويث يُهدَّد هذه الحصة كلها، ومعها صحة المصريين الذين يزداد تعرضهم للأمراض كلما ارتفعت معدلات التلوث فى هذه الحياة.
ولذا يتعين إعطاء مسألة تلويث مياه نهرنا أهمية مساوية على الأقل لقضية سد النهضة. فالمياه التى نسعى للمحافظة عليها تستحق العناية الكافية فى إطار سياسة متكاملة تهدف إلى حسن إدارتها وتعظيم الاستفادة منها. ومن الضرورى أن تشمل هذه السياسة، إلى جانب وضع برنامج للحد من تلويث مياه النيل وإعطاء أولوية لإنشاء محطات صرف صحى ضمن خطة زمنية معقولة، ترشيد استخدام هذه المياه التى تهدر كميات كبيرة منها يمكن توفيرها. فقد تأخر كثيراً هذا الترشيد الذى يستمد أهميته القصوى من أن الزيادة المطردة فى عدد المصريين يعنى تناقصاً مستمراً فى نصيب كل فرد من المياه. ويتطلب ذلك صياغة سياسة زراعية تتضمن خطة طويلة الأجل لا تتغير بذهاب وزير ومجئ آخر، وتهدف إلى تقليص المساحات المزروعة ببعض المحاصيل الأكثر استهلاكا للمياه، وزيادة تلك التى تزرع فيها محاصيل تملك ميزة نسبية فيها. وعندئذ نستطيع تصدير جزء كبير منها، بما يتيح استيراد الكميات التى ستقل من المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه، بدون أن يؤدى هذا التغيير إلى مزيد من الخلل فى الميزان التجارى.
أرسل تعليقك