بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
حفلت جولة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون فى أمريكا اللاتينية بالأحداث التى قد تجعلها أهم عمل قام به منذ توليه هذا المنصب قبل عام ونيف. يحاول تيلرسون فى هذه الجولة استعادة النفوذ الأمريكى فى المنطقة التى كانت «حديقة خلفية» للولايات المتحدة حتى ثمانينيات القرن الماضى. تدخلت واشنطن فى أمريكا اللاتينية بطريقة خشنة أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم، باستثناء شرق آسيا. وبينما فشل تدخلها العسكرى فى كوريا وفيتنام، نجح دورها الاستخباراتى فى فرض هيمنتها على كثير من بلدان أمريكا اللاتينية لعدة عقود، قبل أن تضطر إلى تغيير سياستها العدوانية الفجة تجاه أى نظام حكم يختلف معها. انتهاء الحرب الباردة الدولية، والتغير الذى حدث فى العالم خلال العقدين الأخيرين، خلقا أجواء مختلفة أدت إلى انحسار النفوذ الأمريكى فى هذه المنطقة، وفرضا على واشنطن مراجعة سياستها تجاهها.
ولكن محاولة تيلرسون استعادة هذا النفوذ، أو شىء منه، بدت مرتبكة. لم يُعد جيداً لجولته، ولم يتسلح برؤية واضحة لعلاقات جديدة مع بلدان أمريكا اللاتينية. وربما لهذا السبب، لجأ إلى محاولة تخويفها من روسيا والصين، ولكنه وقع فى خطأ معرفى وثقافى فادح عندما حذر من «إمبريالية» جديدة. يبدو أنه أراد استخدام سلاح طالما أشهره خصوم الولايات المتحدة فى وجهها عندما رتبت، أو دعمت، انقلابات عسكرية فى عدد من بلدان هذه المنطقة. ولكن عندما اعتبرها هؤلاء الخصوم قوة إمبريالية كانوا يستخدمون مفهوماً مرتبطاً بخلفيتهم الماركسية بلوره الزعيم السوفيتى لينين فى كتاب مشهور عنوانه «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية».
كان ذلك فى مطلع القرن الماضى. وكانت الرأسمالية وقتها فى مرحلة تحول ازداد فيها وزن رأس المال المالى، وتمدد فى العالم، وأنتج الظاهرة الاستعمارية. وانتهت تلك المرحلة، التى ارتبطت بالثورة الصناعية الثانية، حتى قبل أن يدخل العالم عصر الثورة الثالثة، ثم اختلف الوضع تماماً فى زمن الثورة الرقمية. لم يوضح تيلرسون طبيعة هذه «الإمبريالية» ولكن تحذيره من تدخل روسى فى انتخابات المكسيك فى يوليو المقبل, بطريقة مشابهة لمحاولة التأثير فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة, ربما يوحى بأنه يتخيل وجود إمبريالية إلكترونية. وليس هذا خيالاً خصباً فقط، بل فقر فى المعرفة على نحو لا يليق بوزير خارجية أكبر دولة فى العالم.
أرسل تعليقك