بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى الكتابات التى تناولت هجرة الأغلبية الساحقة من اليهود الذين عاشوا فى العالم العربى إلى إسرائيل. ولكن قصة هذه الهجرة، التى كان لها دور بارز فى تثبيت أركان الكيان الإسرائيلى، مازالت مفتوحة. ونجد شهادة جديدة مهمة فى السيرة الذاتية للسياسى الإسرائيلى ران كوهين، الذى هاجر من العراق عام 1950 حين كان فى العاشرة. فى هذه السيرة دلالة مهمة بشأن ظروف هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل، التى بحثتها فى دراسة منهجية نُشرت فى سلسلة كتب كان مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية يصدرها فى أواخر السبعينيات. وكان عنوان الكتاب «اليهود العرب فى إسرائيل». كوهين ليس مجرد واحد من عشرات آلاف اليهود الذين تركوا بلادهم العربية. فقد عارض سياسات التمييز ضد الفلسطينيين، وقاد أول مظاهرة ضد الاستيطان, وشارك فى تأسيس حركات السلام, وتولى وزارة التجارة والصناعة عام 1999. كان أحد رموز الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ولكنه تطوع أيضاً فى صفوف الجيش الإسرائيلى فى حرب 1973 وبدا وقتها صقرا، قبل أن يعود إلى مساره »الحمائمى«.
يشعر كوهين بحنين قوى إلى مراتع طفولته فى العراق بأماكنها وناسها وطعامها، ويتذكر جارته الممرضة التى داوته حين اعتقد الجميع فى أنه ميت لا محالة. واختار اسمه العراقى »سعيد« ووضعه على غلاف الكتاب بحروف كبيرة بارزة، بينما كُتب اسمه اليهودى بحروف صغيرة. وعلى مدى 14 فصلاً تتدفق سيرته فى محطاتها المتوالية التى ترسم طريق خروجه من العراق إلى إيران، ومنها إلى إسرائيل.
ولكن سيرة كوهين لا تحسم الجدل الذى مازال مستمرا حول العامل الرئيسى وراء هجرة اليهود العرب. نجد فيها ما يدل على أن سياسات وممارسات متعصبة، وأخرى خاطئة، ضد اليهود ازدادت بعد حرب 1948 وتورطت فيها حكومة نورى السعيد، وجماعات سياسية ودينية. كما نلمس أثر الخطط التى وضعتها الوكالة اليهودية لاستقطاب أعداد من اليهود وتشكيل مجموعات دبرت اعتداءات على ممتلكات يهودية لنشر حالة رعب توحى بأن الهجرة إلى إسرائيل هى الملاذ الوحيد. ولكن هذه السيرة تدعم النتيجة التى انتهيت إليها فى كتابى المشار إليه, وهى أن الحركة الصهيونية لم تنجح منذ البداية إلا بسبب اختلالات فى ثقافة مجتمعاتنا, وتردى فى أدائنا السياسى منذ بداية الصراع.
أرسل تعليقك