بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
تبدو مذكرات الكاتب الكبير محمد سلماوى للوهلة الأولى تقليدية. من يكتفى بمطالعة سريعة لهذه المذكرات، التى اختار لها عنوان «يوماً» أو «بعض يوم» قد يخرج بانطباع أنه يروى فصولاً منتقاة من القسم الأول فى سيرته الشخصية والمهنية والثقافية والسياسية فى الفترة بين عامى 1945 و1981، أى منذ ميلاده وحتى آخر حدث سياسى كبير أثر فى حياته شخصياً.
عناوين محتويات المذكرات توحى بذلك، من العنوان الأول (لا كان اسمه سلماوى، ولا كان الآخر شتا)، وحتى العنوان الأخير (رئيس وزراء استراليا يجرى معى حديثاً صحفياً قبل الانهيار المهيب).
غير أن من يقرأ المذكرات بتمعن يجد عملاً يجمع السيرة الذاتية وفن الرواية فى مزيج مشوق وعميق فى آن معاً بسبب لغة سلماوى الأدبية، ومهارته الروائية، منذ زيارته لجده عمدة محلة مالك مركز دسوق، وحتى زيارته استراليا فى خريف 1981 بدعوة من رئيس وزرائها حينئذ مالكولم فريزر، حيث علم منه عن حملة اعتقالات واسعة فى مصر تطال معارضى الرئيس الراحل أنور السادات، وتشمل اسمه وفق التقارير الواردة من سفارة استراليا لدى مصر. ولكن تبين بعد ذلك أن الإجراء الذى اتُخذ فى شأنه كان إبعاده عن العمل، وليس الاعتقال.
وهذه المرة الثانية التى تعرض فيها سلماوى لقمع بسبب آرائه. كانت الأولى خلال انتفاضة الخبز فى يناير 1977. وهو يروى تفاصيلها بدقة منذ إلقاء القبض عليه فى منزله، وإيداعه سجن القلعة الذى يحكى- فى السياق ـ تاريخه، ثم نقله إلى سجن الاستئناف، وحتى الإفراج عنه بعد أن أمضى شهراً كاملاً فى الحبس لمجرد أنه كان يعبر عن رأيه. ويفيد هذا التوثيق فى أية دراسة جديدة عن انتفاضة 1977 التى نُشرت عنها كتب عدة أشار سلماوى إلى أحدها. كما يعد هذا القسم من المذكرات مساهمة جديدة فى أدب السجون الذى انتشر فى مصر منذ ثمانينيات القرن الماضى.
ولعل أهم ما يميز هذه المذكرات صراحة كاتبها فى الحديث عن جوانب خفية عن عائلته وحياته الخاصة دون حرج. وهذا أمر غير مألوف فى السير الذاتية العربية، ولكنه متوقع من كاتب شجاع يأبى الخضوع لمزاج عام محافظ ينفر من المصارحة والشفافية.
أرسل تعليقك