بقلم/ د. وحيد عبدالمجيد
«بعد ما يزيد على 40 عاماً من عملى فى تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية وإدارته والإشراف عليها، آن الأوان لأُسَّلم المسئولية لمن يستحقها، ولى ثقة كبيرة بمجلس أمناء المركز وفريق إدارته».
بهذه الكلمات، أعلن د. خير الدين حسيب انسحابه من المركز الذى أسسه، وجعله صرحاً من أكبر صروح الإنتاج الفكرى العربى على مدى أكثر من أربعة عقود. أضاء مركز دراسات الوحدة العربية مساحات كانت مظلمة فى حياتنا العربية، انطلاقاً من منهج يجمع بين المهنية والموضوعية، والالتزام بمرجعية امتزج فيها الانتماء العروبى العام بتوجهات قومية عربية. كان المركز أكثر إبداعاً كلما ازداد المُكَّون العروبى العام، والعكس صحيح فى الأغلب الأعم وخاصة فى الفترات التى أثر فيها توسع التوجهات القومية فى عمله، وأضفى عليه طابعاً سياسياً.
كنت مديراً لمكتب المركز فى القاهرة عندما بدأ التسييس القومى يزداد على حساب التثقيف العروبى عبر تأسيس المؤتمر القومى العربى الذى عقد دورته الأولى فى تونس عام 1989. قام مكتب القاهرة بالدور الرئيسى فى الإعداد لهذا المؤتمر، بالتعاون مع الصديق د. مجدى حماد, وكتبنا معاً مسودة البيان الذى صدر عنه. ولكننى نبهت د. حسيب فى الوقت نفسه إلى ضرورة وضع خط فاصل بين المركز والمؤتمر.
غير أن ملابسات أزمة الغزو العراقى للكويت دعمت التوجهات القومية بمعناها الضيق، ودفعت نحو بداية تسييس أثر فى عمل المركز، كما فى موارده وإمكاناته.
لم تستمر غلبة التوجهات القومية الضيقة لفترة طويلة، ولكنها ظلت مؤثرة فى عمل المركز بدرجات متفاوتة، وأثرت فى علاقته مع قطاعات من المثقفين والباحثين العروبيين، قبل أن ينتبه د. حسيب إلى وجود أخطاء سعى إلى تصحيحها، وخاصة بعد أن تلقى طعنات من داخل الدائرة القومية الضيقة، وأعاد المركز إلى مساره العروبى المنفتح على العروبيين بمختلف اتجاهاتهم. ولكنه يدفع الآن ثمن الأخطاء التى صحَّحها متأخراً، إذ يُحمَّله البعض المسئولية منفرداً عن تدهور الوضع المالى للمركز، ويتهمونه بإساءة إدارته بسبب طريقته الفردية. ترك د. حسيب الصرح الذى أسسه فى وضع بالغ الصعوبة، وبات مصيره متوقفاً على مساهمات مالية يرجو كل من يحبونه ألا تزج به فى قلب الصراع المشتعل فى المنطقة. تحية قلبية للدكتور حسيب، وفى انتظار مذكراته التى تعهد بكتابتها.
أرسل تعليقك