بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
باستثناء الغلاف المبتكر والمُشوَّق، أخفقت مجلة «الإيكونومست» بكل قدراتها فى صنع عدد خاص عن عام 2018. ينتظر كثيرون فى العالم كل عام هذا العدد الذى تُقدم فيه «الإيكونومست» ما تعتبره توقعات العام الجديد، رغم أنهم باتوا يعرفون أن بعضها يخيب، وأن الذى يتحقق لم يكن فى حاجة إلى توقع.
الغلاف هذه المرة مثير. لا يتضمن إلا عنواناً واحداً فى أعلاه هو العالم 2018. وليس فيه صور بخلاف الأعداد السابقة من هذا النوع، بل رموز تُغرى بالقراءة لمعرفة دلالاتها.
ولكن الابتكار فى الشكل لا يُعوَّض ضعف المضمون إلى حد يدفع إلى التساؤل عن جدوى الإصرار على تقديم توقعات إما خيالية, أو مؤكدة يعرف الجميع أنها ستتحقق.
يحتاج الأمر، مثلاً، إلى خيال واسع لكى نحلق مع «الإيكونومست» فى توقعها اشتعال حرب عالمية ثالثة. يبدو محررو المجلة مهجوسين بأزمة كوريا الشمالية. يعتقدون أن منطقة شبه الجزيرة الكورية هى أخطر النقاط على خريطة العالم، وأكثرها إثارة للتوتر عام 2018.
وحتى إذا شاطرهم بعض قرائهم هذا الاعتقاد، فالأرجح أنهم لن يجدوا من يذهب معهم بعيداً، ويحلق بخياله فى آفاق غير مرئية، بحيث يوافق على توقعهم أن يؤدى احتدام الصراع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى اشتعال حرب عالمية ثالثة. سندهم الذى اعتمدوا عليه ينطوى على تبسيط شديد، وهو أن الخيار الدبلوماسى قد يفشل، وأن الخيار العسكرى قد يؤدى إلى حرب شاملة ربما تكون نووية.
وهذا مثال يفيد تدريسه لطلاب العلاقات الدولية لشرح الفرق بين التوقع المحكوم بمنهج وقواعد، والتخيل المنفلت من الضوابط.
وفى مقابل توقعات فيها من الخيال ما يُخرجها من نطاق التوقع، تقدم «الإيكونومست» توقعات من نوع تحصيل الحاصل، أو المعلوم بالضرورة، مثل استمرار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وفوزه فى الانتخابات الرئاسية التى ستُجرى فى مارس المقبل، فليس توقعاً بأى حال ما يعرف الجميع أنه لا يمكن إلا أن يحدث، وأن أى احتمال لعدم حصوله معدوم.
والحال أنه لا يليق بمجلة عريقة عمرها 175 عاماً, وتُعد أهم المطبوعات الاقتصادية فى العالم، أن يكون هذا مستوى توقعاتها، وليتها توقف تقليد العدد «السنوى» هذا بدءاً من 2019، لتحافظ على سمعتها.
أرسل تعليقك