بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
عندما ظهرت عبارة «عالم ما بعد الحقيقة» رأى كُثر أنها تنطوى على مبالغة اعتقاداً فى أن الإنسان يظل قادراً على التمييز بين الحقيقى والزائف. ولكن هذا الاعتقاد هو الذى يبدو مبالغاً فيه، لأن حجم الأخبار والمعلومات الزائفة مهول سواء فى الإعلام التقليدى أو الجديد.
وأكثر من ذلك، ربما تكون عبارة «ما بعد الحقيقة» غير كافية للتعبير عن حالة الشك التى تجتاح العالم. وفى كثير من الأحيان، يشعر من يتابع أخباراً أو يقرأ معلومات فى هذا المجال أو ذاك، أنه يجد فى كل فقرة، وربما فى كل سطر، ما يبدو مثيراً للشك.
ولا ينطبق هذا على ما يحدث فى العالم الآن فقط، بل على كثير من الأحداث التاريخية. وتبدو الوثيقة التى نشرتها «سى.آى.إيه» قبل أيام عن الزعيم النازى الألمانى أدولف هتلر مثالاً جديداً على ذلك.
كان هناك يقين على مدى أكثر من سبعة عقود فى أن هتلر انتحر مع صديقته إيفا براون فى مخبأ ببرلين فى 30 أبريل 1945 عندما أدرك أن الحرب انتهت بهزيمته، وأن القوات السوفيتية تتقدم فى المدينة، فلم يعد أمامه إلا أن يستسلم لها، أو ينتحر.
كُتبت مئات الكتب عن هتلر. ولم يحظ سوى قليل بالاهتمام الذى ناله فى الدراما السينمائية والتليفزيونية فى أوروبا وخارجها، إذ أُنتجت عشرات الأعمال الفنية عنه. واختار القائمون على كل عمل زاوية مختلفة ليقدموا جديداً يمزج بين التاريخ والخيال الفنى. ولكن أحداً لم يصل خياله إلى أن هتلر لم ينتحر، وأنه وجد خياراً ثالثاً غير الانتحار والاستسلام وهو الهرب. ولذلك تبدو الوثيقة التى تزعم أن هتلر كان على قيد الحياة عام 1955 أبعد من أى خيال. تعتمد هذه الوثيقة على تقرير أرسله مسئول «سى.آى.إيه» فى كولومبيا إلى رئاسته فى واشنطن، وتضمن أن أحد العملاء الذين يعملون معه أفاد بأن هتلر مازال حياً، وحصل على صورة فوتوغرافية حديثة وقتها لشخص يشبهه.
ورغم أن الوثيقة هشة للغاية، ولا تتضمن أى دليل على ما ورد فيها، فمن الطبيعى أن تزيد حالة الشك التى تزداد فى كل شىء فى العالم، وليس فقط فى حقيقة ما فعله هتلر عندما تيقن من هزيمته.
أرسل تعليقك