بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
مضى زمن مارست فيه السياسة الخارجية الأمريكية أعمال بلطجة فى كثير من أنحاء العالم من شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية، وجاء زمن انحسرت فيه هذه الأعمال، وأصبحت موجهة ضد الأضعف، ثم الأكثر ضعفاً، إلى أن أصبح الشعب الفلسطينى وقضيته هو الهدف الأساسى للبلطجة الأمريكية اليوم. ويجدر التنويه، هنا، إلى أن استخدام تعبير البلطجة ليس على سبيل المجاز، فالبلطجة، وما يؤدى معناها فى اللغة العربية مثل تشبيح، وفى اللغة الإنجليزية مثل Bullying، تعنى اعتداء على آخرين بدون وجه حق، وارتكاب أعمال مخالفة للقانون، وينطبق هذا المعنى على السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين منذ إصدار قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها.
هذا القرار يُعد اعتداء على الشعب الفلسطيني، فضلاً عن أنه مخالف للقانون الدولى الذى يمنع الاستيلاء على أرض تم احتلالها بالقوة، ويفرض إعادتها إلى أصحابها.
وبلغت البلطجة الأمريكية، وفق هذا المعني، ذروتها فى الأيام الأخيرة منذ التهديد السافر بقطع المساعدات إذا لم يرضخ الفلسطينيون لسياستها التى تُمثَّل اعتداءً عليهم. تضع الإدارة الأمريكية الفلسطينيين أمام اختيار بين ترك بيتهم وتوقيع صك التنازل عنه، أو الموت جوعاً. وتتهمهم بعدم احترامها لأنهم لا يُدعنون لسياستها: (منحناهم مئات الملايين من الدولارات، ولكنهم لم يُظهروا الاحترام اللازم لنا). هكذا تخاطب إدارة ترامب الفلسطينيين وتطالبهم بالاذعان التام. وليتنا نقارن بين سياسة واشنطن هذه تجاه الفلسطينيين، وموقفها إزاء نظام أردوجان التركى الذى وجه إليها إنذاراً واضحاً عندما طلب أن تسحب جنودها الموجودين فى منبج السورية لأنه يريد أن يغزوها. كما أن إصراره على وقف تسليح القوات ذات الأغلبية الكردية، التى قامت بأهم دور فى محاربة «داعش» فى سوريا، ينطوى على إنذار ضمني. لم ترد واشنطن رداً يتناسب مع وضعها كقوة عظمي، وبدا موقفها هشاً إزاء بلطجة أردوجان، رغم أنها تستطيع مواجهته. وفى إمكانها أيضاً أن تمارس شيئاً من بلطجتها عليه. وهذه هى حدود البلطجة الأمريكية اليوم: بلطجة لا تكلفها شيئاً, ولا تمارسها بالتالى الا على الأكثر ضعفاً. وليس هناك أضعف من الفلسطينيين فى عالمنا الراهن.
أرسل تعليقك