بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
التاريخ مدرسة زاخرة بالدروس لمن يرغب فى التعلم. ومن أهم هذه الدروس أن حركة التاريخ لا تسير فى اتجاه خطى، أو خط صاعد. حركة التاريخ متعرجة ومتذبذبة، ومن دروسه أيضاً أن الحكم على الأحداث الكبرى لا يتيسر قبل مرور وقت كاف لأن يصل مسارها إلى محطة محددة المعالم، بعد انعطافات شتى إلى الوراء حيناً، وإلى الأمام حيناً آخر.
وينطبق هذا على ثورة 25 يناير التى فتحت الباب أمام مرحلة جديدة سيظل مسار التاريخ فيها متعرجاً لفترة يصعب تقديرها. ولذا يبدو التطرف فى مدحها، أو فى هجائها، تعبيراً عن عدم إدراك أنها ليست إلا بداية مسار تاريخى، ودليلاً على عدم استيعاب دروس التاريخ الحديث الحافل بهذا النوع من الثورات منذ الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789.
عرف العالم عدة أجيال من الثورات الشعبية، التى تنتج عن تراكمات تسبقها، بين نهاية القرن 18، ومطلع القرن 21. وعلى مدى هذه الفترة الطويلة، لم يكن ممكناً تقييم أى من الثورات قبل مرور فترة كافية تُعد بالعقود، وليس بالسنوات، فى الأغلب الأعم.
وكثيرة هى الدراسات المقارنة للأجيال الأقدم من الثورات، مثل جيل الثورات الأوروبية فى منتصف القرن التاسع عشر، وجيل ثورات التحرير الوطنى ضد الاستعمار، وجيل ثورات التحرر من الشمولية الستالينية فى شرق أوروبا ووسطها.
تفيد هذه الدراسات بأن هناك قواعد عامة فى معظم الثورات الشعبية. ومن أهمها أن الثورات تحدث عادة نتيجة غلق أبواب الإصلاح التدريجى، وأن عواملها تتراكم تحت السطح على مدى فترة من الزمن، الأمر الذى يحول دون توقعها، ناهينا عن تدبيرها أو التخطيط لها، بسبب صعوبة ملاحظة اختمارها على الطريقة البركانية فى طبقات عميقة اجتماعياً وسياسياً من وجدان وعقول قطاعات متزايدة فى المجتمع.
ودلالة هذه القاعدة أن الثورة الشعبية ليست اختياراً، بل اضطرار. وهى، كأى عمل اضطرارى، ليست مرغوبة أو مفضلة، بخلاف الإصلاح التدريجى الذى يؤدى إلى تجنب الاضطراب الملازم لأي ثورة مهما تكن نموذجية فى سلميتها.
غير أن أهم ما نستخلصه من دراسة الثورات الشعبية أنها تقود إلى الأفضل فى النهاية رغم أن بعض منعطفاتها تبدو حالكة وشديدة القتامة، وقد تبلغ معاناة المجتمع خلالها مستويات هائلة.
أرسل تعليقك