بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
كشفت الأزمة المترتبة على قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل بعض ملامح التحول الذى بدأ فى السياسة التحريرية لقناة «الحرة». حافظت هذه القناة على قدر معقول من المهنية منذ تأسيسها عام 2004، رغم أن الإدارة الأمريكية تشارك بالنصيب الأكبر فى تمويلها، إلى جانب مجلس «بي.بي.جي» عن طريق منظمة «ميدل إيست برودكاستنج نيتورك» غير الربحية. تجاوزت «الحرة» فعلياً القيود المنصوص عليها فى وثيقة تأسيسها، والتى تكاد تجعلها أداة لسياسة الولايات المتحدة فى العالم العربي, وتحسين صورتها بعد غزو العراق.
وأسهم إعلاميون عرب عملوا بها فى إضفاء طابع مهنى على أدائها، وتقديم تغطية متوازنة, فبدت أكثر موضوعية من وسائل إعلام أمريكية موجهة إلى العالم الخارجي، مثل إذاعات «صوت أمريكا»، و«أوروبا الحرة»، و«آسيا الحرة». وأذكر أننى شخصياً انتقدت الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن فى أحد برامجها، وكان النقد قاسياً، على نحو يختلف عن طريقتى فى الحوار. ومع ذلك، لم تُحذف كلمة واحدة من مداخلتى عندما أُعيد بث البرنامج فى الموعد المحدد له فى اليوم التالي. كما أذكر أنها غطت مؤتمراً كان الاتجاه السائد فيه نفى «الهولوكوست»، وتعرضت لهجوم شديد داخل الولايات المتحدة بسبب تلك التغطية.
غير أن تغطية القناة لتداعيات قرار ترامب بشأن القدس بدت أقل مهنية. وقد حرصتُ على متابعة هذه التغطية لأنها جاءت بعد أيام على نقاش مع الصديق جهاد فخر الدين، الذى يعد رسالة دكتوراه عن قناة «الحرة» فى الجامعة اللبنانية، لفت انتباهى خلالها إلى أن الإدارة الجديدة التى تولت مسئولية هذه القناة أخيرا تعتزم الالتزام بتوجهات السياسة الأمريكية.
ولأن فخر الدين خبير متميز فى قضايا الرأى العام والإعلام، فقد وجدتُ فى متابعة تغطية «الحرة» لقرار ترامب فرصة لمعرفة مدى التحول فى أدائها. ووجدت بداية واضحة لهذا التحول بالفعل سواء فى طريقة تقديم الأخبار المتعلقة بالقرار، أو فى برنامج رئيسى استضاف أمريكيين اثنين مؤيدين بشدة لهذا القرار، ومسئول فى الخارجية الأمريكية، مقابل فلسطينى واحد، وأكاديمى عربى اتخذ موقفاً متوازناً، وعندما يوضع ضيف واحد فى مواجهة ثلاثة، لا يمكن الحديث عن استمرار الالتزام بالقدر المعقول الذى تمكنت «الحرة» من الحفاظ عليه فى السنوات الماضية.
أرسل تعليقك