بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
تكفى نظرة سريعة إلى المشهد فى سوريا اليوم لمعرفة المدى الذى بلغه نفوذ قوى إقليمية ودولية تمسك بخيوط الحرب التى مازالت مستمرة فى عدد من الجبهات بعد مرور ما يقرب من سبع سنوات على اشتعالها. ورغم تراجع احتمال تقسيم سوريا جغرافياً، يحدث نوع آخر من التقسيم عبر تقاسم النفوذ بين القوى الدولية والإقليمية الموجودة على الأرض، وهى روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا. والنفوذ هنا ليس سياسياً وعسكرياً فقط، بل يستند إلى سيطرة ميدانية على مساحات متفاوتة من الأراضى السورية. فقد أصبحت هناك مناطق نفوذ محددة لم تكتمل ملامحها وخطوطها بعد، حيث يسعى كل من القوى الموجودة فيها إلى توسيع المساحات التى يسيطر عليها.
وتُعد غزوة عفرين، التى يشنها نظام أردوغان فى تركيا، إحدى المعارك التى تهدف أنقرة من ورائها الى توسيع منطقة نفوذها فى شمال سوريا. وليست تركيا وحدها التى تلجأ الى أداة محلية تتمثل فى بعض فصائل »الجيش الحر«. القوى الدولية والإقليمية كلها تستند إلى أدوات محلية لتدعيم نفوذها وتحقيق مصالحها.
ولذلك لم يعد السؤال عن أطماع هذه القوى وسياساتها فى الشرق الأوسط كافياً كمدخل لفهم المدى الذى بلغه توغلها فى سوريا. هذا سؤال مطروح منذ سنوات، وأُعيد إنتاجه فى مناسبات عدة، وأثار من الجدل والنقاش ما يكفى ويزيد. ولم يبق ثمة جديد يمكن أن يُضاف فى أى نقاش حوله.
أما السؤال الذى بات ضرورياً وملحاً اليوم فهو عن دلالات انغماس السوريين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، وبمواقفهم المناقضة لبعضها، فى معارك القوى الدولية والإقليمية، واستعداد بعضهم للقتال من أجل دعم نفوذ هذه أو تلك منها، حتى إذا شاركوا فى قتل سوريين آخرين أو تدمير بلدهم.
والجواب الذى يقدم تفسيرا يقومً على أن حدة الانقسام المجتمعى تدفع السوريين فى هذا الاتجاه يُعد صحيحاً. ولكنه لا يكفى لأنه يثير بدوره أسئلة أهمها السؤال عن كيفية وصول هذا الانقسام إلى مستوى يدفع كل طرف تقريباً إلى الاحتماء بقوة أجنبية، ومن ثم العمل فى خدمتها، والتحول إلى أداة فى معاركها.
إن السؤال عما جرى للسوريين حتى وصلوا إلى هذه الحالة هو الجدير بالاهتمام والبحث والدراسة اليوم أكثر من أى وقت مضى.
أرسل تعليقك