بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
ضرب نظام أردوغان التركى رقماً قياسياً فى تدفق أكبر كم من الأكاذيب فى أقل قدر من الوقت. بإنجاز يستحق أن تسجله موسوعة جينز، وتحتفى به. غزوته فى شمال سوريا بدءاً بعفرين تقوم على أكاذيب مذهلة فى عددها، كما فى جرأتها. يتصور أردوغان ورجاله أنهم أذكى من العالم كله، فيستخفون بالعقول بأكثر الطرق فجاجة.
بدأت سلسلة الأكاذيب من الاسم الذى أطلقوه على الغزوة، وهو غصن الزيتون. طائراتهم التى تدك كل يوم مناطق فى عفرين تلقى زهوراً وورداً، ولكننا نتخيل أنها قنابل وقذائف تُدَّمر وتحرق وتقتل مدنيين أبرياء. أما أكذوبة وجود مقاتلين لتنظيم «داعش» فى عفرين فهى تثير السخرية، بمقدار ما تؤكد أن الفُجر فى الخصومة يُفقد العقل. المستهدفون من قوات أردوجان وطائراته هم أكثر من حارب «داعش» فى سوريا. أظهروا شجاعة غير عادية فى مواجهة الإرهاب، قبل أن يأتى متهمون بالتواطؤ مع «داعش» منذ 2013 لاتهامهم بأنهم إرهابيون.
ولكن الكذبة التى تتصدر قائمة الأكاذيب بجدارة هى أن غزو سوريا يهدف إلى المحافظة على سيادتها. أكذوبة تنتمى إلى عالم الكوميديا السوداء. أعلن وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو رفض اتجاه الولايات المتحدة إلى تأسيس قوة عسكرية معظمها من الأكراد, وقوامها ثلاثون ألف مقاتل, لحماية حدود سوريا الشمالية الشرقية. وإلى هنا الكلام معقول, ولكنه قال بعده (إن سوريا دولة ذات سيادة، ولذلك تواصلنا مع روسيا وإيران للتنسيق بشأن دخول قواتنا عفرين). فياله من تلاعب فج بمعنى السيادة على نحو يثير السخرية. سيادة تحظر على سوريين الالتحاق بقوة عسكرية داخل بلدهم لحماية جزء من حدودها، وتبيح لتركيا غزو هذا البلد واحتلال أرضه.
صحيح أن هناك جدلاً واسعاً حول مفهوم السيادة والتغيرات التى يمكن أن تلحق به من جراء التحولات المترتبة على ثورة الاتصالات والمعلومات، والتغيرات التى تحدث فى أنماط العلاقات الدولية. ولكن هذا الجدل لم يتسع فى أى وقت لمجادلات من نوع إباحة قيام دولة بغزو أخرى لحماية سيادتها. فأقصى ما ذهب إليه من أباحوا تدخلاً فى شئون أي دولة هو أن يكون تدخلاً مؤقتاً لأسباب إنسانية فى ظروف استثنائية، مع إدراكهم أن هذا التدخل يتعارض مع مبدأ السيادة.
أرسل تعليقك