بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
التطرف يغلق العقل، وقد يعمى العين أثره السلبى لا يقتصر على الافتقار إلى البصيرة، بل قد يشمل إضعاف البصر أيضاً، فلا يكاد المرء يرى أمامه، ولا يستطيع أن يستبصر الطريق التى يسلكها وينطبق هذا المعنى على كل تطرف أياً يكون مرجعه واتجاهه والتطرف الإسرائيلى ليس استثناءً من القاعدة. لا يفكر اليمين المتطرف الذى أحكم هيمنته على اسرائيل، منذ قتل روح الاعتدال الجزئى مع اغتيال رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين, فى تداعيات التغيير فى وضع القدس بموجب قرار أمريكى أهوج كما لا يستبصر أركانه وسدنته الاتجاه الذى سيمضى فيه الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى بعد هذا القرار، سواء التزمت سلطة رام الله برفض الاتصالات مع الولايات المتحدة, وعدم اعتبارها وسيطاً بعد الآن, أو اضطرت إلى استقبال نائب الرئيس الأمريكى تحت الضغط والتهديد. ولا يدرك بنيامين نيتانياهو، الذى أغلق الطريق إلى أي مفاوضات جادة, وأنصاره والأكثر تطرفاً منه, أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم الخاسرين من جراء قرار ترامب اسرائيل تخسر أيضاً لأسباب عدة أهمها أن هذا القرار يكرس هيمنة اليمين المتطرف عليها, ويشجعه على أن يزداد تطرفاً, وأن يتخذ مواقف أشد تعنتا، الأمر الذى لابد أن يقود إلى دفن ما كان يعرف بعملية السلام, بعد أن ماتت سريرياً. ويخطئ من يظن أن الشعب الفلسطينى وحده الذى يحتاج حلا سلميا يعيد إليه ما بقى من حقوقه المشروعة. الإسرائيليون يحتاجون بدورهم إلى عملية سلام يدفن قرار ترامب الأمل فى استئنافها، ليس فقط لكى يصبح جزءاً من منطقة لن تقبله مهما حدث دون هذا الحل، ولكن أيضاً لتجنب تداعيات هذا القرار وأهمها الإجهاز على صيغة حل الدولتين، وبالتالى يصبح حل الدولة الواحدة ثنائية القومية هو ما يمكن أن يسعى إليه الوسطاء الجدد فى مرحلة مقبلة، ومعهم دعاة السلام وأنصار الحرية فى العالم. ويعرف الاسرائيليون قبل غيرهم معنى هذا التحول والنتائج المترتبة على صيغة لحل سلمى تجعلهم أقلية تقل أكثر مع الوقت فى دولة لن يتمكنوا من السيطرة عليها مهما شددوا إجراءات الفصل العنصرى، لأن الأغلبية الفلسطينية ستجرف هذه الإجراءات فى النهاية ولهم فى تجربة جنوب إفريقيا مثل وعبرة إذا أبقى التطرف لهم شيئا من عقل.
أرسل تعليقك