بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
ما أكثره الحديث عن العنف والإرهاب فى العالم اليوم. لا حديث يعلو عليه فى الإعلام بمختلف وسائله، وفى حياة الناس اليومية عندما يتحدثون فى الشأن العام. حديث أغلبه مُرسل يُعاد إنتاجه، ويخلو من المعنى، ولا يُنتج قيمة مضافة.
وحتى النقاش الذى يدور فى أوساط معنية بخطر العنف والإرهاب، سواء رسمية أو ثقافية وأكاديمية، لا يتطرق إلى السؤال عن البيئة المنتجة لهذا الخطر إلا قليلاً. ولذلك يقل الاهتمام ببحث دلالات ظواهر لافتة تشتد الحاجة إلى تأملها وفهم أبعادها.
ولعل أخر هذه الظواهر التوحش الذى ظهر فى سلوك كتائب »إزيدخان« التى أُعلن تأسيسها فى أبريل 2016 كرد فعل على مذابح ارتكبها تنظيم »داعش« ضد إيزيديين وإيزيديات فى سنجار بالعراق.
كان الدفاع عن الإيزيديين وحمايتهم هو الهدف المعلن فى بيان تأسيس تلك الكتائب. ولكن من يتأمل البيان يلمس فى طياته رغبة عميقة فى الانتقام لم تظهر إلا عندما اتُهمت عناصر منن كتائب »إيزيدخان«، وإيزيديين انضموا إلى الحشد الشعبى »الشيعى«، بارتكاب مذبحة أسفرت عن مقتل 52 مدنياً من قبيلة ميتوت فى نينوى، وتورطت فى حالات خطف أفراد من قبيلة أخرى.
واللافت هنا، والداعى إلى التأمل، هو التحول النوعى الذى حدث فى سلوك الإيزيديين الذين عُرفوا بأنهم من أكثر الأقوام والأديان سلمية وتسامحاً رغم الاضطهاد الذى تعرضوا له فى بعض المراحل منذ القرن التاسع، وبلغ ذروته فى العصر العثمانى.
وساهم انغلاقهم على أنفسهم فى المناطق التى يعيشون فيها قرب الموصل وجبل سنجار فى شيوع صورة نمطية لهم أدت إلى اضطهادهم. كما أدى هذا الاضطهاد إلى ازدياد ميلهم إلى الانعزال، وإحاطة أنفسهم بهالة من الغموض تؤدى إلى اختلاف الروايات بشأن أصولهم ومعتقداتهم ونمط حياتهم.
والرواية الأكثر شيوعاً عن الإيزيديين أنهم جماعة دينية وعرقية فى آن معاً. والأرجح أنهم جماعة دينية أساساً، وصارت عرقية بمعنى ما بسبب منعها غير المنتمين إليها من الالتحاق بها. وأياً كان أصلهم، فالمهم هو هذا التحول الخطير فى سلوكهم باتجاه العنف الذى يصل إلى التوحش، وهم الذين عُرفوا بسلميتهم، الأمر الذى يدفع إلى تأمل كيف يتحول إنسان مسالم إلى وحش، وبحث أثر البيئة والظروف المحيطة فى هذا التحول.
أرسل تعليقك