بقلم ـ د. وحيد عبدالمجيد
أحسن د. على الدين هلال صنعاً عندما أعاد طباعة كتابه (جذور الفكر الاشتراكى)، الذى صدر قبل 42 عاماً فى طبعة جامعية عن معهد البحوث والدراسات العربية، مترجماً من اللغة الإنجليزية التى كُتب بها كأطروحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ماكجيل الكندية عام 1973. أثار موضوع تجديد الفكر السياسى والاجتماعى اهتمام باحثين وأكاديميين مصريين فى المرحلة التى كُتب فيها البحث المتضمن فى الكتاب. وكانت نشأة الفكر الاشتراكى من القضايا التى شغلت من أدركوا أهمية دراسة ظهور فكر كان يُعتبر راديكالياً فى إطار اجتماعى محافظ، وبيئة اقتصادية متخلفة فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ويعد د. هلال رائداً فى دراسة هذا الموضوع علمياً، فلم يسبقه إليه سوى ألبرت حورانى فى دراسة كتبها عن انتقال الأفكار الغربية إلى الدول الإفريقية الجديدة حينئذ، ونُشرت فى كتاب حرره رونالد بينوك عام 1964. فقد كتب د. هلال بحثاً عميقاً فى تحليل أفكار مجموعة من المثقفين الذين أطلقوا على أنفسهم اشتراكيين فى لحظة تاريخية كان هذا التعبير فيها ملتبساً ومثيراً للريبة، مثله فى ذلك مثل تعبير الليبرالية. ولكن الفرق أن أحداً ممن قدموا أفكاراً ليبرالية فى مصر لم ينسب نفسه إلى هذا الاتجاه الفكرى فى تلك المرحلة، ولعقود بعدها، رغم أن كل من كتبوا عنهم اعتقدوا أنهم سموا أنفسهم ليبراليين أو حُريين.
وركز د. هلال على أبرز من أدخلوا الأفكار الاشتراكية فى مصر مثل د. شيلى شميل، ونقولا حداد، وسلامة موسى، ومصطفى حسين المنصورى، ودرس أفكارهم فى إطار التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتطورات الثقافية والفكرية التى شهدها المجتمع المصرى فى ذلك الوقت. كما قام بتوثيق بداية الفكرة الاشتراكية بوجه عام, وبحث علاقتها بكل من النزعة العلمية والاتجاه العلمانى. ولم يفته أن ينتقى نماذج من كتاباتهم ويتيحها للقارئ فى ملاحق الكتاب الذى لم يقل أهميته بعد مرور أكثر من أربعة عقود على إصداره للمرة الأولى، بل ازدادت ربما لأن السؤال المثار منذ أكثر من ربع قرن عن عوامل اضمحلال الأفكار الاشتراكية، وفشل تجاربها فى العالم، لم يجد إجابة كاملة بعد.
وهذا سؤال نأمل أن يبحث فيه د. هلال فى إطار عودته للاهتمام بموضوع الاشتراكية.
المصدر : جريدة الأهرام
أرسل تعليقك