بقلم/ د. وحيد عبدالمجيد
فى الليالى الظلماء نبحث عن ضوء، وفى الأيام السوداء نبحث عن بارقة أمل ولم تشهد منطقتنا أياماً أكثر سواداً مما نعيشه الآن، بعد أن انغمس كثير من بلدانها، وقطاعات واسعة من شعوبها, فى حروب تعصب وكراهية وعنف وإرهاب.
ولذا لا ينبغى أن يمر حدث تشييع السياسية المناضلة فاطمة إبراهيم فى السودان، والفنان المثقف عبد الحسين عبد الرضا فى الكويت، قبل أيام دون أن نلتمس منهما شيئاً من الأمل الذى ينبغى التمسك به حين نتأمل حالة منطقتنا ونفكر فى مستقبلها.
جنازتان مهيبتان يقل مثلهما هذه الأيام فى الحجم، ويندر ما يشبههما فى تنوع المشيعين واختلاف انتماءاتهم وأفكارهم، وتناقض مواقفهم، جموع غفيرة شيَّعوا الفنان الكوميدى الكبير عبد الحسين عبد الرضا تحت درجة حرارة اقتربت من الخمسين إلى مثواه الأخير فى مقبرة الصليبيخات. مشاعر إنسانية فياَّضة تعلو الانتماء المذهبى الذى مازال التطرف فيه يصب الزيت على نار حروب، ويؤَّجج صراعات، فى المنطقة. لا أثر للانتماء المذهبى فى جنازة فنان شيعى. الكويتيون، والعرب الآخرون، الذين شيَّعوا عبد الرضا يحبونه فناناً وإنساناً أياً كان مذهبه. صور الجنازة تُظهر أن اللافتات الأكثر شيوعاً هى التى كُتب فيها «نحبك». ويالها من كلمة باتت شحيحة فى عصر الكراهية والبغضاء.
لم يختلف المشهد كثيرا فى تشييع فاطمة إبراهيم فى اليوم نفسه إلى مثواها الأخير فى أم درمان، كان اليساريون الذين شيَّعوا رفيقتهم القيادية فى الحزب الشيوعى السودانى قلة وسط جموع المشَّيعين من مختلف الاتجاهات، كانت أعلام حزب الأمة بألوانها الخضراء والحمراء والسوداء، وأعلام حزب الاتحاد الديمقراطى بألوانها الخضراء والصفراء والزرقاء، ترفرف معاً إلى جانب أعلام الحزب الشيوعى الحمراء.
حضور نسائى قوى، وغير معتاد فى تقاليد الدفن فى السودان، اعترافاً بفضلها فى الدفاع عن حقوق المرأة وحريتها، الأمر الذى جعلها جديرة بأن تكون المرأة العربية الوحيدة التى رأست اتحاد النساء العالمى.
مشهدان يساعدان فى التمسك بالأمل فى الخروج من الخنادق السياسية والدينية والمذهبية والعرقية التى يتخندق فيها معظم العرب اليوم، ويتحين هذا الفريق أو ذاك منهم الفرصة للانقضاض على آخر يكرهه. فما أشدها حاجتنا إلى البحث عن أى ضوء وسط الظلام المخيم على منطقتنا.
أرسل تعليقك