بقلم/ د. وحيد عبدالمجيد
مرت منذ أيام الذكرى الخامسة عشرة، لرحيل المخرج الرائع المبدع رضوان الكاشف، الذى تظل سيرته أحد الدلائل القوية على أن العبرة تظل بالكيف، وليس بالكم. لم يقدم الكاشف الذى رحل فى عامه الخمسين سوى ثلاثة أفلام سينمائية (ليه يا بنفسج، وعرق البلح، والساحر). ولكن كلاً منها يعد علامة مميزة فى تاريخ الدراما السينمائية الاجتماعية التى تغوص فى عالم المهمشين والمنسيين «ملح الأرض» بعمق وسلاسة، وبمزيج من الواقعية والشاعرية. تجلى إبداعه فى قدرة فائقة على الدخول فى عالم يفيض بالعذابات والمرارات، كما بالأمنيات والرغبات، ويجتمع فيه البأس والأمل كل يوم، حيث يتحالف الفقر والقهر والإهمال ضد الحلم البرئ والبسمة الصافية. قدم عالم المهمشين المهملين بحس فنى مرهف ورؤية عميقة، ونقل ما يفيض به من آلام وجراح فى أعمال تفيض بالإبداع إلى حد أن من يتمعن فى أى منها يسأل نفسه. كيف استطاع أن يُحَّقق هذا الفيلم على هذا النحو؟
قدم الكاشف هذا العالم من خلال أبناء الحارات والأزقة فى فيلمى «ليه يا بنفسج» و«الساحر»، حيث الأصدقاء الذين يحاولون فتح منفذ إلى السعادة فى الأسوار العالية التى تجعلها بعيدة المنال، و«الأرزقية» الذين يتحايلون على لقمة عيشهم، والعلاقات التى تنشأ بينهم، وكيفية تعاملهم معها، وبحثهم عن لحظة شعور بالبهجة، ومشاعرهم الإنسانية، وخوفهم من العالم الذى يقع خارج «حدودهم» الضيقة.
كما قدم هذا العالم فى قرية نائية بالواحات فى فيلم «عرق البلح» حيث عبر عن مأساة أهلها الذين يرحل معظم رجالهم بحثا عن عمل، ويعود بعضهم مكسورين، فينتقمون من الفتى الوحيد الذى كان يطلع النخل ليأتى بالبلح، وكأنهم يعاقبون أنفسهم بعد أن بلغ العقاب الجماعى الذى يتعرض له من جراء التهميش ذروته.
لقد ظل رضوان الكاشف وفيا لمبادئه الإنسانية، التى ناضل من أجلها منذ أن كان طالباً فى جامعة القاهرة فى مرحلة تألق الحركة الطلابية فى السبعينيات. وحملها إلى السينما بأكثر مما فعل زملاؤه الذين صاروا مبدعين فى مجالات مختلفة، سواء من اتجهوا إلى الإخراج السينمائى أيضا، أو من امتهنوا أعمالاً أخري.
ولذلك، ولغيره، نفتقد إبداعه فى مرحلة يزداد فيها التهميش الاجتماعي، ويقل الاهتمام به وبأخطاره على مستقبل المجتمع.
أرسل تعليقك