بقلم /د. وحيد عبدالمجيد
تُعد زاوية الكاتب الكبير سمير عطاالله فى صحيفة «الشرق الأوسط» إحدى أفضل الزوايا والأعمدة اليومية فى الصحافة العربية, إذ تجمع بين العمق والتحليل، والإمتاع والتشويق.
كتب عطاالله قبل أيام عن علاقته بالصحفيين المصريين. وتطرق إلى ظروف قيامه بترجمة كتاب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل «جمال عبدالناصر والعالم» من الإنجليزية إلى العربية لكى تصدره «دار النهار للنشر» فى منتصف السبعينات. فقد كان هيكل يكتب الكتاب باللغة الإنجليزية التى برع فى الكتابة بها، ثم يعهد إلى أحد من يعرف أن ثقافتهم الواسعة تتيح لهم ترجمته إلى اللغة العربية.
ولكن فى الجزء التالى من رواية عطاالله ما قد يُفهم خطأ بخلاف ما قصده0 فقد كتب أن هيكل قرر بعد ذلك (الكتابة بالعربية ووقف الكتابة بالإنجليزية). ولذا يجب توضيح أن هيكل لم يتوقف عن الكتابة بالإنجليزية أبداً، لكى لا يحدث التباس فى فهم ما ورد فيها.
لقد ظل هيكل يكتب كتبه باللغة الإنجليزية أولاً، بعد أن يتعاقد مع إحدى دور النشر البريطانية الكبرى. ولكنه قرر منذ منتصف ثمانينات القرن الماضى أن يتوقف عن الاعتماد على غيره فى نقل النص المكتوب بالإنجليزية إلى العربية. وكان كتاب «خريف الغضب» الصادر عام 1983هو الأخير الذى تُرجم أو نُقل إلى العربية. فقد اتجه بعد ذلك إلى كتابة نص عربى يبدأ العمل عليه بعد إصدار النص الإنجليزى.
ويجد من يتأمل النصين اختلافاً بينهما ليس بسبب الفرق بين اللغتين فقط، ولكن لأن القارئ مختلف أيضاً فى الحالتين. تتيح اللغة الإنجليزية التعبير عن المعنى فى مساحة أقل من تلك التى تتطلبها الكتابة بالعربية، خاصة حين يكون للكاتب أسلوبه العربي المميز والبديع. كما أن القارئ العربى يستمتع بالإسهاب فى سرد خلفيات أحداث وكواليسها، وروايات عن علاقات بين شخصيات يحب أن يعرف عنها أكثر، بخلاف القارئ بالإنجليزية إذ يريد الحصول على المعنى والرؤية والرسالة إلى جانب المعلومات الأساسية بدون إسهاب أو تفصيل.
وهذا يفسر إصدار النص الإنجليزى لكتاب «المحادثات السرية» مثلاً فى جزء واحد، والنص العربى فى ثلاثة أجزاء. وقد شرحتُ منهج هيكل فى الكتابة باللغتين فى كتاب صدر فى أواخر التسعينات فى كتاب عنوانه «مدرسة هيكل بين الصحيفة والكتاب».
أرسل تعليقك