بقلم/ د. وحيد عبدالمجيد
كتاب صغير فى حجمه، ولكنه كبير فى قيمته التى يستمدها من أهمية موضوعه، وهو قراءة فى جوانب أساسية من الخطاب أو الخطابات المجتمعية، وقدرة مؤلفه على تقديم معان أساسية فى هذه الخطابات بعمق وسلاسة.
اختار د. محمد شومان عنواناً جذاَّباً هو «خطاب الشارع ـ تحولات الحياة والموت فى مصر». العنوان معبر أيضاً عن موضوع الكتاب، الذى يشمل تحليل خطاب الموت وما يتعلق به من مظاهر، إلى جانب خمس قضايا تعبر عن جوانب مهمة مما يسميه المؤلف خطاب الشارع، والتفاعلات المتعلقة به.
يعالج المؤلف تناقضات أزمة المرور، ويُحلل مكونات الخطاب المتعلق بها مثل الضجيج المتواصل، والكتابة أو وضع رموز على هياكل السيارات، والحضور المراوغ للسلطة والقانون، وظاهرة «السايس» الذى يُنظم أماكن الانتظار. ورغم أن معالجته لما اسماه خطاب الهامش اقتصر على الاعتداء على الرصيف، وانطوى على شيء من القسوة فى معالجة ظاهرة الجماعة الجائلين، إلا أنه قدم صورة بديعة لحالة أرصفة المحروسة والخطابات المتعلقة بها.
كما برع فى تحليل التفاعلات المرتبطة بالفوضى والتشوه المعماري، وما يقترن بها من عشوائية فى التفكير والسلوك. ويشمل هذا الجانب كيفية تعامل المصريين الآن مع العمارات التى يعيشون فيها، ولا مبالاتهم بشأن شكلها الخارجى وحالة مداخلها والإصلاحات اللازمة لصيانتها0 ويشمل التحليل أزياء الناس بوصفها تعبيراً عن دلالات ومعان وانتماءات، على نحو يجعلها بدورها نوعاً من الخطاب غير المنطوق.وتحت عنوان «توتر الكلام والصمت» يُحلل د0شومان كلام الناس وأحاديثهم العادية العفوية، التى تكشف الكثير من جوانب ثقافة المجتمع وحياته. ولأن هذا موضوع واسع يتطلب تحليله بحوثاً ميدانية، فقد توقف عند سمات استخلصها من انطباعاته وتكاملاته.ولا تقل دلالة قصة الكتاب أهمية عن موضوعه. فقد انتهى المؤلف منه فى نهاية 2010، ولكنه قرر أن ينتظر ويتابع ما بدا أنها تحولات سريعة مهمة بُعيد ثورة 25 يناير. ولكنه لم يلبث أن وجد أن التحولات التى بدت جديدة انحسرت، وعاد خطاب الشارع إلى ما كان عليه، فنشر الكتاب على النحو الذى انتهى إليه فى 2010, فهل أصاب فى تقديره أم أخطأ؟...
الجواب يتطلب بحثاً اجتماعياً يتجاوز سطح المجتمع إلى أعماقه، ويعنى فى المقام الأول بأجياله الجديدة.
أرسل تعليقك