بقلم/ د. وحيد عبدالمجيد
اتخذ رئيس إقليم كاتالونيا كارليس بوتشيمون، وحكومته، موقفاً يدل على شىء من النضج السياسى, والانحياز إلى الديمقراطية. وعليه أن يكمل هذا الموقف, ويقطع الطريق على اتجاه رئيس الحكومة المركزية إلى التصعيد عندما ادعى أنه لم يفهم هل أعلن بونشيمون الانفصال أم لم يعلنه, وطلب رداً على هذا السؤال كشرط للحوار, رغم أن خطاب الزعيم الكاتالونى كان واضحاً أمام برلمان الإقليم مساء الثلاثاء الماضى وهو (تعليق الاستقلال عن أسبانيا لإعطاء فرصة للحوار مع حكومتها).
كان الجميع فى أوروبا، وليس فى اسبانيا فقط، كما فى العالم، ينتظرون هذا الخطاب بعد الاستفتاء الذى أصرت حكومة إقليم كاتالونيا على إجرائه فى الأول من أكتوبر الجارى، وحاولت حكومة مدريد منعه بالقوة فى أسوأ اعتداء على الديمقراطية فى أوروبا منذ عقود.
وبغض النظر عن مدى حُجية استفتاء أُجرى فى ظروف غير طبيعية، ولم يشارك فيه سوى 42% فقط من الذين يحق لهم الاقتراع، فقد سلك بوتشيمون الطريق الصحيحة عندما سعى إلى تهدئة الأجواء نسبياً.
وهذا درس طازج يجدر بقادة إقليم كردستان الذين يصرون على الانفصال أن يستوعبوه ويتعلموا منه، حتى إذا كان الاستفتاء الذى أُجرى فى هذا الإقليم فى 25 سبتمبر الماضى أكثر حُجية. وليت مسعود بارازانى يعلن بدوره تعليق إعلان الانفصال، أو تجميد نتائج الاستفتاء، لكى يفتح الطريق المغلقة الآن إلى حوار جاد. والمأمول أن ترتفع حكومة بغداد بدورها إلى مستوى المسئولية, وتتجه إلى الحوار بدون مماحكات فارغة .
لقد تحمل أكراد العراق مظالم هائلة تفوق ما تعرض له أقرانهم فى البلدان الأخرى. ولكنهم حصلوا فى المقابل على استقلال ذاتى كامل فى إطار نظام فيدرالى يحلم أقرانهم فى تركيا وإيران وسوريا بمثله، أو حتى بأقل منه. وهذا مكسب كبير يتوجب على قادة كردستان العراق أن يبنوا عليه مسترشدين بمنهج الزعيم الكاتالونى الذى خاطر بمستقبله السياسى, وهو يعرف أن تعليق إعلان الانفصال يفتح النار عليه من الانفصاليين المتطرفين فى موقفهم, ولكنه استلهم روح نضال شعب كاتالونيا التاريخى من أجل الحرية والجمهورية، وفى مواجهة الهجمة الفاشية الضارية ضد قيم التقدم خلال الحرب الأهلية الأسبانية (1936-1939), وقدم درساً لمن يعتبر.
أرسل تعليقك