بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
أحسنت الحكومة العراقية عندما أدارت أزمة الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان بطريقة هادئة فى الأغلب الأعم، رغم اعتمادها المفرط على إيران وتركيا فى محاصرة هذا الإقليم. حققت حكومة بغداد هدفها، وانتصرت على إقليم يتمتع بحكم ذاتى واسع، وكان كثير من أبنائه يطمحون إلى تأسيس دولة مستقلة. واعترف رئيس الإقليم السابق مسعود بارزانى، الذى قاد الدعوة إلى الانفصال، بالهزيمة واستقال. وأصبحت الطريق ممهدة لإنهاء الأزمة، وإعادة ترتيب الأوضاع بطريقة تؤدى إلى احتواء مطلب الانفصال، أو الاستقلال كما يسميه المطالبون به.
غير أن حكومة بغداد لم تغتنم الفرصة، بعد أن قبضت على زمام الموقف، وأصبحت متحكمة فيه وقادرة على احتواء الأكراد، وحل المشكلات التى أدت إلى توتر العلاقات مع إقليمهم، لكى يتمكن العراق من التقدم إلى الأمام بمختلف مكوناته.
مازالت حكومة بغداد تتصرف بطريقة منتصر يريد إذلال المهزوم0 ولكن منهج المنتصر والمهزوم، وأسلوب الإذلال، لا يُحقَّقان وحدة وطنية لم تكن موجودة فعلياً رغم أنها شعار دائم فى الخطاب السياسى العراقى.
تصر الحكومة العراقية, مثلاً, على محاكمة مسئولين أكراد بتهمة المشاركة فى الاستفتاء على الانفصال وفقاً للمادة 156 من قانون العقوبات العراقى رقم 111 لسنة 1969، والتى تنص على أن (يُعاقب بالإعدام من ارتكب عمداً فعلاً بقصد المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها). وبغض النظر عن أن هذه المادة أوقف العمل بها فى إقليم كردستان منذ عام 2003، وأن الكثير من مواد قانون العقوبات تحتاج إلى مراجعة فى ضوء مستجدات ما بعد ذلك العام، لا يستقيم السعى إلى بناء عراق واحد لكل أبنائه مع هذه القسوة الرهيبة فى إدارة خلاف يعرف الجميع فى العراق أنه موضع جدل ونقاش منذ وقت طويل. ولا يصح إغفال أن صيغة المحاصصة الطائفية والعرقية التى يقوم عليها النظام الدستورى فى العراق تجعل مثل هذا الجدل أمراً طبيعياً. والأكراد ليسوا مسئولين وحدهم عن هذه الصيغة التى نبه كثيرون إلى أخطارها قبل إقرارها.
ولذا نأمل أن تتحلى حكومة بغداد بالحكمة، وتضع حداً للتصعيد، وتشرع فى حوار جاد مع «الانفصاليين» الذين راجعوا موقفهم لأن إعدام أى منهم لم يؤد إلا إلى تفاقم الأزمة وتعقيدها.
أرسل تعليقك