بقلم/ د. وحيد عبدالمجيد
أصبح الحديث عن نزع التطرف شائعا على نطاق واسع فى منطقتنا، كما فى العالم. عشرات المؤتمرات والندوات، فضلا عن كثير من المراكز والهيئات، تحمل عنوان نزع التطرف، أو ما يدل عليه. ولكن ما يصدر عنها يبدو فى الأغلب الأعم أقرب إلى كلام أو عمل مدرسي، وربما إلى دروس محو الأمية. ويتحدث بعضها بطريقة توحى بأن كل المطلوب أن ننظف أدمغة غسلها المتطرفون بخطابهم ودعايتهم. غير أن نزع التطرف ليس عملا مدرسيا لإعادة تلقين من لُقنوا أفكارا متطرفة من قبل، ولا يمكن العثور على مسحوق لتنظيف عقول من سبق غسل أدمغتهم بأفكار غير نظيفة. نزع التطرف يحدث كنتيجة لعمل جاد يهدف إلى محاصرة ثقافة الكراهية فى المجتمعات التى وصل فيها الاحتقان إلى مستوى أدى إلى فيض من العداء المتبادل بين مكوناتها الاجتماعية والثقافية والسياسية.
الكراهية هى المرض الأساسى الذى يُنتج أعراضا متعددة ومتنوعة. وعندما تنتشر ثقافة الكراهية فى مجتمع تأخذه إلى الوراء، وتُعَّطل الطاقة الإيجابية فيه، وتُحَّول بعضها أو الكثير منها إلى طاقة سلبية تهدم ولا تبني.وتُعد ثقافة الكراهية أحد أهم التجليات السلبية لرفض الآخر حين يبلغ أعلى مبلغ، ويدفع إلى الاعتقاد فى أن الحياة تصبح أفضل دون هذا الآخر الذى يختلف عنا. ولذلك ترتبط هذه الثقافة برغبة فى التخلص من الآخر الذى نكرهه بسبب اختلافه، أى لأنه لا يشبهنا فيما نقوله أو نفعله، ولا يرتدى الثياب التى نريد تعميمها، ولا يوافق على ما نعمل من أجله، ولا يتبعنا فى أنماط حياتنا بوجه عام. ومن الطبيعى أن تكون العلاقة وثيقة بين الكراهية والتعصب بأشكاله المختلفة دينيا وطائفيا ومذهبيا وقوميا وفكريا وأيديولوجيا.
ويزداد خطر انتشار ثقافة الكراهية، وبالتالى ازدياد التطرف، حين يتدهور المستوى المهنى للإعلام، فيحمل هذه الثقافة حتى دون أن يقصد، ويُغذيها فى المجتمع، فتتحول إلى وباء تنتقل عدواه بطريقة أسرع، الأمر الذى يُهدَّد التطور الطبيعى للمجتمع، ويُقَّلص مساحات الطاقة الإيجابية فيه.
ولذلك تبدأ عملية نزع التطرف بالعمل من أجل محاصرة ثقافة الكراهية وقطاعاتها فى المجتمع، وتصحيح أداء الإعلام حين ينجرف باتجاهها بسبب انخفاض المستوى المهني, والركض وراء رفع معدلات المشاهدة بأى وسيلة.
أرسل تعليقك