د. وحيد عبدالمجيد
اعتمدت الحركة الصهيونية منذ نشأتها على آلة دعاية تعمل بحرفية وسرعة شديدتين0 ونرى تجلياً جديداً لدور هذه الآلة منذ إصدار القرار الأمريكى بشأن القدس، سعياً إلى غسل أدمغة بعض العرب الذين يفتقرون إلى معرفة بالتاريخ، واستهداف طلاب ودارسين فى الغرب على النحو الذى حاولتُ توضيح بعض جوانبه فى «اجتهادات» الأمس.
تركز آلة الدعاية هذه الآن على أن لليهود حقوقاً دينية فى القدس، وتفصل مسجد قبة الصخرة عن المسجد الأقصى ليكون الأول الهدف المقبل للاحتلال، عن طريق نسج رواية خيالية جديدة عن الهيكل. ونقطة الضعف الأساسية فى هذه الرواية، التى تزعم بأن الصخرة جزء من الهيكل, أنها تخالف عقيدة اليهود المتدينين، وتصطدم مع ما يؤمن به الأصوليون المتشددون فى أوساطهم، ناهيك عن أنها تتعارض مع نتائج البحوث الأثرية.
والحال أنه يتعذر إثبات وجود حق دينى راهن لليهود فى القدس ربما باستثناء حائط البراق الذى يحد الحرم القدسى من الغرب. فهذا الحائط رمز دينى للمسلمين، ولليهود أيضاً وفق إيمانهم بأنه أقرب نقطة من مكان الهيكل الذى لم يعد له أى وجود منذ هدمه لآخر مرة على أيدى الرومان عام 70 بعد الميلاد. وقد أصبح هذا الحائط مصلى يهودياً، وفق روايات متواترة، منذ بداية القرن السادس عشر. وتعد قدسية هذا الحائط لدى اليهود المتدينين دليلاً قاطعاً على عدم وجود الهيكل، الذى تزعم اليهودية السياسية «الصهيونية» أنه موجود أسفل الحرم القدسى. وفى غياب حقوق دينية أساسية لليهود، على هذا النحو، فى القدس استندت الحركة الصهيونية عند تأسيسها على ما يُسمى الحقوق التاريخية ليس إلا. ولم يكن حديث الصهاينة عن حقوق تاريخية فى «أرض الميعاد» يثير استغراباً فى البداية لأن حركتهم نشأت قبل أن يصل العالم إلى تفاهم عام على غلق ملف هذه الحقوق تماماً بعد الحرب العالمية الثانية.
ولما كان الصهاينة يعرفون ذلك جيداً، فهم يركزون الآن على ما يزعمون أنها حقوق دينية فى فلسطين. ومن هنا الأهمية القصوى «ـسالجائزة الكبرى» التى يظنون أنهم حصلوا عليها بموجب القرار الأمريكى بشأن القدس، وسعيهم إلى استغلال هذا القرار اعتقاداً فى إمكانية ترويج روايات خرافية لتدعيم فكرة الحقوق الدينية لليهود.
أرسل تعليقك