آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

العراق عشية اغتيال رفيق الحريري

اليمن اليوم-

العراق عشية اغتيال رفيق الحريري

بقلم - مصطفى فحص

من البصرة تلقت طهران الصدمة، وقساوة الرسالة فرضت عليها خيار المواجهة، رغم أنها تمر بمرحلة تحتاج فيها إلى تفادي الصِدامات الجانبية، والتقليل من الخصومات، بهدف التفرغ لمواجهة الضغوط الخارجية التي تلاحقها، ولكن بين حرق القنصلية وبين شعارات المحتجين الذين طالبوا بإخراجها من العراق، وبإقصاء أتباعها عن السلطة في بغداد، لمست طهران هذه المرة مستوى التذمر عند شيعة العراق، ورفضهم أن يتحول بلدهم إلى رهينة بيدها تستخدمه للمقايضة عندما تستدعي الحاجة. 
حتى خراب البصرة لم تُعر طهران أي اهتمام للأصوات غير الشيعية التي كانت تطالبها بوقف هيمنتها على العراق، ولكن بعد خرابها بدأت مرحلة جديدة من الاعتراض على نفوذها من داخل البيئة الشيعية العراقية التي انفجرت فجأة كافة حساسياتها التاريخية، فأدركت طهران سريعاً خطورة أن يعيد شيعة العراق تعريف موقعهم العقائدي والاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي سيضعهم في مواجهة مباشرة ومفتوحة معها. في السابق اطمأنت طهران إلى أن الأصوات غير الشيعية المطالبة بوقف تدخلها في العراق ستبقى دون أي تأثير ما لم يكن لها صدى داخل الشارع الشيعي، الذي إن تحرك من الممكن أن يتسبب في ضربة قاسمة لوجودها بالعراق. وأمام خطورة المشهد وصعوبة احتوائه، بقيت طهران المسكونة بعقل الهيمنة مُصرة على ممارسة الأخطاء السابقة ذاتها، ودفعت أتباعها إلى تهديد العراقيين، خصوصاً الشيعة، ووضعهم أمام خيارين؛ إما طهران وإما الفوضى، خصوصاً إذا كانت الفوضى مدروسة ومسيطر عليها، لدرجة تمكنت من إخراج مظاهرات البصرة على أهدافها، بعد قيام مجهولين بترهيب المدنية وتهديد استقرارها إلى مستوى لامس الحرب الأهلية.
لم تتوقف الفوضى المفتعلة في البصرة إلا بعدما ارتفع دخانها الأسود فوق بغداد، محذراً من أن الصراع على تفسير الكتلة الأكبر قانونياً أصبح أقرب ليكون صراعاً مسلحاً على السلطة داخل البيت الواحد، وتأكيداً على أن الأطراف مستعدة لتجاوز الخطوط الحمر، عادت صواريخ «كاتيوشا» وقذائف «المورتوز» لتتساقط على المنطقة الخضراء باسم المقاومة العراقية التي أعلنت أنها تخوض معركتها بوجه المشروع الأميركي، رغم أنها كانت تُروج دائماً أنها هزمته في العراق والمنطقة منذ سنوات. 
ومما لا شك فيه أن فوضى البصرة ساعدت طهران على استعادة جزء من توازنها عبر مجاميعها المسلحة، لكنها من المستحيل أن تستطيع استعادة زمام المبادرة، رغم تمكنها من عرقلة تشكيل الكتلة الأكبر، وإصرارها الكيدي على استبعاد ترشيح رئيس الوزراء حيدر العبادي لولاية ثانية.
فطهران المصابة بحمى «البعث» الأسدي تكرر الأخطاء السياسية نفسها التي ارتكبتها في لبنان، حيث كان بإمكان الأسد الابن سنة 2004 تجنب الضغط الدولي عليه، وعدم التجديد لإميل لحود لولاية ثانية مخالفة للدستور، إلا أنه أَجبر المعارضة اللبنانية الرافضة لوصايته على لبنان تحت تهديد السلاح على إعادة انتخاب لحود رئيساً للجمهورية، لكن تعنت الأسد انتهى بنكسة جيوستراتيجية كبيرة، ودفع النظام السوري ثمنها عندما أجبر على الخروج من لبنان مهزوماً بعد اغتيال الرئيس الحريري، وإطلاق انتفاضة الاستقلال الثاني في 14 مارس (آذار) التي أدت إلى إنهاء وجوده في لبنان، بعدما تعالت الأصوات الإسلامية إلى جانب المسيحية في رفض نفوذ نظام الأسد وإنهاء وصايته على لبنان، متأثرين بتداعيات 11 سبتمبر (أيلول) وحرب تحرير العراق سنة 2003، وأمام تداعيات العقوبات الأميركية في ظل إدارة تتربص بطهران ومستعدة للرد على أي هفوة إيرانية غير محسوبة تشبه تلك التي اقترفها الأسد الابن في لبنان قبل 15 سنة، فمن المرجح أن تحاول إيران خلط الأوراق من جديد، وأن تطالب بإعادة رص الصفوف وإنهاء فكرة الأكثرية الوطنية حفاظاً على ما تصفه بـ«وحدة الصف الشيعي»، الذي سيقابله دعوة لوحدة الصف السني والكردي فيعود العراق إلى مربع المحاصصة الحزبية والفساد، ما يجعل الأزمة ما بين طهران وبعض الأطراف الشيعية الرافضة للصيِّغ القديمة مستمرة ومفتوحة، وهذا ما يفسر إصرار شركاء طهران من شيعة وسنة وأكراد على رفض التجديد للعبادي حفاظاً على امتيازات المحاصصة التي تمنحهم نفوذاً يقف العبادي ومعه الصدر والحكيم في مواجهته.
من الصعب أن تستسلم طهران، وأن تقبل كنظام دمشق أن تخسر حديقتها الخلفية، لذلك هي غير مستعدة للتنازل، وهي الآن تريد أن تقطع الطريق على العبادي، إلا أنها تحاول فرض مرشحها، ولأن شيعة العراق كمسلمي لبنان طالبوا بإنهاء وصايتها عليهم، فإن ردة الفعل الإيرانية لن تكون أقل من رد فعل الأسد ونظامه، لذلك باتت طرقات التشكيل والتأليف من بيروت إلى بغداد مزروعة بألغام سياسية ونوايا عقابية أشبه بعشية اتخاذ القرار باغتيال رفيق الحريري.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق عشية اغتيال رفيق الحريري العراق عشية اغتيال رفيق الحريري



GMT 05:21 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجود الروسي في سوريا: الأهداف المعلنة وغير المعلنة

GMT 05:13 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«شيك أب» آذاري عن حال الديمقراطية!

GMT 05:08 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الفلسطينيون كشفوا زيف اسرائيل

GMT 07:01 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

خطران يتهددان العالم العربي إيران والإخوان

GMT 06:43 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

القضيّة الفلسطينيّة: لا هذا ولا ذاك!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen