آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

نموذج المؤسسة

اليمن اليوم-

نموذج المؤسسة

بقلم : خالد الدخيل

منذ الانتخابات الرئاسية الماضية كان من الواضح أن مؤسسة الحكم الأميركية (The Establishment) دخلت مرحلة مختلفة من الصراع. ليست جديدة لكن مختلفة. مصدر الاختلاف في هذه اللحظة يكمن في الرئيس الحالي دونالد ترامب. شخصيته العنيدة التي تميل إلى العنف، وسلوكه الذي كثيراً ما يزدري خصومه، ويأخذ منحى انفعالياً في ذلك.

تتكامل مع هذه الصفات مفرداته القاسية، والنابية أحياناً في التعبير عن مواقفه. اللافت أنه كثيراً ما يعبر عن مشاعر دفينة في خضم خلافاته وخصوماته. وهي سمة نافرة بالنسبة إلى العملية السياسية للمؤسسة، وللخطاب السياسي الذي تشكل وترسخ داخلها عبر أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن. هذا من حيث الشكل حيث يبدو الرئيس، وللمرة الأولى غريباً على المؤسسة بتقاليدها وأعرافها. هو في صدام مع المؤسسة، بما في ذلك جزء من الحزب الجمهوري الذي ترشح باسمه. لكنه لا يريد، والأدق ربما أنه لا يجرؤ على الاقتراب من فكرة تغيير المؤسسة، وهي التي اتسعت له وقبلته على علاته. أما من حيث المضمون فيبدو الرئيس ترامب أنه يمثل مصالح طبقة اجتماعية لا ينتمي إليها، وهي طبقة العمال ومن دفعوا ثمن التحولات الاقتصادية، خصوصاً الأزمة المالية لعام 2008. ومن الطبيعي أن خطابه السياسي والحال كذلك في مكان آخر. بل إنه لا يقدم خطاباً سياسياً متماسكاً. مواقفه تبدو غير مترابطة، تمليها ظروف اللحظة وضغوط المصلحة المباشرة. هو في حال صدام حادة مع التيار الليبرالي، وهو تيار كبير في أميركا. بل من الواضح أن هناك عداء مستحكماً مع هذا التيار. يتضح ذلك ليس في موقف الحزب الديموقراطي وحسب، بل في حقيقة أن الإعلام الليبرالي لم يتوقف عن ملاحقته، ورصد مواقفه وتجاوزاته منذ أن كان مرشحاً إلى أن أصبح رئيساً. في الوقت ذاته لا يبدو أنه يمثل التيار المحافظ بكل ألوانه. لم يتمكن مثلاً من إلغاء برنامج الرعاية الصحية لخلفه باراك أوباما على رغم أن حزبه الجمهوري يملك الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب. لا يزال في حال صراع مع الديموقراطيين حول موضوع الهجرة. ولم يحقق في سنته الرئاسية الأولى إلا تمرير برنامج خفض كبير نسبياً للضرائب لمصلحة قطاع الأعمال، خصوصا الشركات الكبرى. وفي هذا لم يخرج كثيراً عن فلسفة الحزب الجمهوري الذي يمثل في شكل أساسي قطاع الأعمال وليس طبقة العمال.

في السياسة الخارجية تتميز إدارة ترامب بمواقف متناقضة، ومربكة أحياناً. الأمر الذي تسبب في نشوء حال تباين، وأحيانا صدام مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وشرق آسيا، والشرق الأوسط. وأبرز ما يتضح ذلك في الملف النووي الإيراني، وموضوع كوريا الشمالية، والصراع العربي- الإسرائيلي، والأزمة الخليجية. تعلن الإدارة مثلاً عن مواقف معينة من هذه القضية أو تلك، لكنه لا يتم التعبير عنها بسياسات واضحة على الأرض. وليس أدل على ذلك من موقف الإدارة في الموضوع السوري. مرة يستكمل ما بدأه سلفه أوباما من تسليم الملف السوري لروسيا بوتين. وأخيرا تقرر إدارته الاحتفاظ بوجود عسكري هناك، وإنشاء جيش بحجم 30 ألفاً من الأكراد في شمال غربي سورية. الآن هناك حرب بين هؤلاء الأكراد وتركيا، وواشنطن في حال ارتباك أمام هذا المنعطف. في الملف النووي، قال ترامب أكثر من مرة إنه يريد إلغاءه، لكنه لم يقترب من ذلك بعد. يواجه معارضة أوروبية واضحة، وكذلك معارضة داخلية من الحزب الديموقراطي، وموقفاً متردداً من حزبه الجمهوري. يقول إنه يريد علاقات استراتيجية مع حلفاء أميركا من العرب، ثم يستبق كل شيء ويقرر الاعتراف بالقدس عاصمة للشعب اليهودي، هكذا من طرف واحد، ومن دون اعتبار لمصالح الحلفاء ومواقفهم، وقبل التوصل إلى حل نهائي للصراع. في الأزمة الخليجية هناك تناقض بين مواقف البيت الأبيض من ناحية، ومواقف وزارتي الخارجية والدفاع، من ناحية أخرى. بل إن موقف البيت الأبيض نفسه يفتقد التماسك. فمرة يرى ترامب أن على قطر التوقف عن دعم الإرهاب وتمويله، ومرة أخرى يعقد معها اتفاقاً استراتيجياً، كما حصل الأسبوع الماضي. وليس واضحاً بعد معنى هذه الصفة الاستراتيجية ودلالتها، ولأي هدف مع طرف خليجي واحد.

مع كل ذلك، فإن مأزق ترامب الحقيقي هو مع مؤسسة الحكم الأميركية. وجد طريقه إلى داخلها وهو لا ينتمي إليها بشخصيته وسلوكه والخطاب الذي يتبناه. وبسبب ذلك هو الآن في حال صراع شرس مع الكثير من أفرع هذه المؤسسة مثل القضاء، والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية، والمجتمع المدني، والإعلام... إلخ. بعبارة أخرى، هو في صراع مع أقوى أجنحتها، أو التيار الليبرالي. هذه مؤسسة لها تاريخها وتقاليدها الراسخة، ولها مصالحها التي تبلورت منذ زمن بعيد. بالنسبة لهذا الجناح يمثل ترامب بوصوله إلى رأس هرم السلطة تهديداً له، وللمؤسسة بتاريخها وتقاليدها السياسية والدستورية، فضلا عن مصالحها. كان هذا واضحاً منذ اليوم الأول للانتخابات قبل نحو السنتين. وهو موقف لا يزال مستمراً بالنفس الحاد ذاته الذي بدأ به. بل إن البعض لا يتردد أحياناً من التساؤل علناً عن إمكان وصول الأمور إلى حد قد يتطلب محاكمة الرئيس في مجلس الشيوخ. السؤال كيف وجد ترامب طريقه إلى داخلها؟ السؤال الثاني، وهو لا يقل أهمية بأي حال: كيف تتعامل معه المؤسسة الآن؟ حقيقة أن ترامب وجد طريقه إلى الرئاسة في مؤسسة لا ينتمي إليها إنما يعبر عن طبيعتها، وصلابة تقاليدها وشرعيتها الدستورية التي يصعب، إن لم يستحل الاقتراب من انتهاكها. فعلى رغم أن الرجل لا ينتمي إلى روح المؤسسة وتقاليدها، ولا إلى خطابها السياسي إلا أنه ينتمي إليها بحكم موقعه الاجتماعي والاقتصادي كرجل أعمال، وبحكم حقه السياسي كمواطن أميركي. ربما تنبغي ملاحظة أن مواطناً مثل باراك أوباما لم يكن ينتمي إلى المؤسسة قبل أكثر من 150 سنة، بأكثر مما هو هو عليه ترامب الآن. كان يحلم بأقل من الوصول للرئاسة بكثير. ثم تغير الأمر بعد ذلك جذرياً تقريباً. كيف تجيب هاتان الحالان عن السؤالين السابقين؟ للحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نموذج المؤسسة نموذج المؤسسة



GMT 01:01 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

رسالة إلى الروس قبل الأسد

GMT 00:20 2018 الثلاثاء ,10 إبريل / نيسان

استحالة النموذج المثالي ... وليس الدولة

GMT 06:18 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

سورية مختلفة فعلاً

GMT 04:38 2018 الخميس ,15 شباط / فبراير

المؤسسة بين أوباما وترامب

GMT 06:17 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

انفجار صنعاء وموقف مختلف للتحالف
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen