آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

مؤتمر الشيشان: التيه السنّي

اليمن اليوم-

مؤتمر الشيشان التيه السنّي

خالد الدخيل
بقلم : خالد الدخيل

كتب وقيل ما ليس بالقليل عن مؤتمر الشيشان. ولا أظن أن هذا حصل لأهمية إستثنائية لهذا المؤتمر ومن دعا إليه وموله، وإنما لأمرين. الأول أن المؤتمر جعل من سؤال «من هم أهل السنة والجماعة؟» موضوعه الوحيد.

وبالعودة إلى هذا السؤال يكون المؤتمر قد رجع بالناس إلى القرون الإسلامية الثلاثة الأولى عندما كانت الفرق في مرحلة تشكلها الأولى. لاحظ أيضا أن حكومة إيران عادت بالشيعة من خلال تبني «ولاية الفقيه» إلى القرون ذاتها، بما يؤكد أن منطق الفكر الديني واحد على رغم اختلاف المذاهب. الأمر الثاني لأهمية المؤتمر الحضور الكبير للمؤسسة الدينية المصرية ممثلة بشيخ الأزهر ومفتي مصر. بالنسبة إلى الأمر الأول لم يقدر المؤتمرون أن ما دعوا إليه يؤكد حالة ارتباك وعجز يعاني منها الفكر الديني الإسلامي، وإلا كيف يمكن تفسير أن سؤالاً بحجم ومركزية «من هم أهل السنة والجماعة» لا يزال قائماً، بعد مرور 1437 سنة على ظهور الإسلام، وأنه لا يزال في حاجة، لا تنتهي، إلى إجابة بعيدة المنال. ما فعله المؤتمرون بمؤتمرهم وسؤالهم أنهم أعادوا مسألة الفرق والملل والنحل والطوائف إلى جذعتها الأولى. لماذا؟ يقولون إن هذا مؤتمر علمي. حسناً، ما بال هذا العلم لا يستطيع الإجابة عن سؤال مضى على طرحه أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، وقتل أثناءها بحثاً وشرحاً وتحريراً، واختلافاً وتبديعاً وتفسيقاً وإقصاء على كل المستويات الفقهية والعقدية؟ كيف فات على المؤتمرين أنه ليس في هذه النتيجة من صفات العلم شيء؟! عندما يعجز المنهج عن الإجابة عن سؤال مركزي وحيوي مثل الذي انشغل به المؤتمر، يصبح من الواضح أن هذا المنهج يفتقد أبسط صفات العلم ومتطلباته. وهذا بحد ذاته دليل على أن ما فعله المؤتمرون لا يخرج عن كونه دورة أخرى من الشحناء والصراعات الأيديولوجية، والخلافات السياسية.

المثير للدهشة أن كل هذا يحصل في زمن أقسى محنة يمر بها المسلمون، وبخاصة العرب منهم، في التاريخ الحديث. وبما أن العرب، كما يقول عمر بن الخطاب، هم مادة الإسلام، فلك أن تتصور فداحة ما يواجهه الإسلام والمسلمون الآن. لم تفت هذه الملاحظة أحد الذين تحدثوا في المؤتمر، وهو الدكتور سعيد فوده. حيث أبدى في كلمته استغرابه من أن يظل سؤال «من هم أهل السنة والجماعة؟» معنا حتى الآن. لكن فوده لم يحاول الإجابة عن السؤال، وإنما انتظم من خلال كلمته في إشكالية المؤتمر، وفي المنطق التصنيفي الذي انطلق منه. وأكد مفتي مصر، الشيخ شوقي علام، الذي رأس إحدى جلسات المؤتمر في كلمة له أن أهل السنة والجماعة «لم يقصوا، ولم يكفروا أحداً». هل هذا صحيح؟ من حيث المبدأ فإن التكفير لازمة من لوازم الدين. وليس أدل على ذلك من ظهور الفرق والملل والنحل في تاريخ الأديان، بما فيها الإسلام.

من هذا المنطلق تتناقض جملة المفتي هذه مع ما قاله الإمام أبو حامد الغزالي، وهو أشعري، قبل أكثر من تسعة قرون من أن كل الفرق الإسلامية مارست التكفير ضد بعضها الآخر. لكن جملة المفتي بالمعنى ذاته تتناقض مع البيان الختامي للمؤتمر الذي حصر مصطلح «أهل السنة والجماعة» في الأشعرية والماتريدية. أي أن الفرق الأخرى كالسلفية والإخوان لا ينتمون إلى أهل السنة. والسؤال في هذه الحالة: ماهو المعنى العقدي لإخراج هذه الفرق من أهل السنة؟

يقول الدكتور حاتم العوني في كلمة له أمام المؤتمر إن مصطلح «أهل السنة والجماعة» فضفاض ويحق أن يقع فيه اختلاف، لكنه لم يحدد مستويات وحدود هذا الاختلاف. هل هو اختلاف في الأصول أم في الفروع؟ أم في كليهما معاً؟ يضيف العوني أن المصطلح «لم يرد لا في القرآن ولا في السنة». ويؤكد في السياق ذاته أن أقدم من استخدم تعبير «أهل السنة» هو الإمام محمد بن سيرين (ت 110هـ). بعده سئل الإمام مالك عن معنى أهل السنة فقال، وفق العوني، «هم الذين ليس لهم لقب». أي هم الذين ليسوا بقدرية، ولا مرجئة، ولا خوارج، ولا شيعة، ...الخ. بعبارة أخرى، يقول العوني، إن أهل السنة «هم المسلمون»، هكذا بإطلاق. وهو ما يعني أن تحيز دلالة هذا المصطلح تأخرت كثيراً. والأرجح بهذا المعنى أن تأخر تحيز دلالة المصطلح إنما حصل بعد الفتنة الكبرى التي فجرها مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان. الأمر الذي يعيدنا إلى ما ذكرته سابقاً بأن الفكر الديني الإسلامي لا يزال يدور حول نفسه في حلقة مفرغة لقرون طويلة.

ماذا يقول أبو الحسن الأشعري، مؤسس المدرسة الأشعرية التي اعتبرها بيان المؤتمر في القلب من دائرة أهل السنة؟ يقول في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله عز وجل، وسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة المحدثين، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته، قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم» (الإبانة عن أصول الديانة، تحقيق صالح بن مقبل بن عبدالله العصيمي التميمي، ط1، 1432هـ، ص 201).

بعبارة أخرى، يعتبر الأشعري نفسه بهذا النص حنبلياً. وابن حنبل هو مؤسس النهج السلفي. ومن ثم إذا كان الأشعري ومدرسته يدخلون في دائرة أهل السنة، فعلى أي أساس أخرج بيان المؤتمر السلفيين بكل تياراتهم من هذه الدائرة؟! وبماذا يختلف في هذه الحالة إقصاء أشاعرة وماتريديو العصر عن الإقصاء السلفي؟ يؤشر السؤال إلى حالة التيه السني، وأن هذا التيه تعبير عن بؤس التمسك بأنه لا قيام للديني إلا بارتباطه بالسياسي، مع عدم إدراك لأن المآل التاريخي لمثل هذه العلاقة هو حتماً ارتهان الديني للسياسي، وليس العكس. من هنا تأتي أهمية حضور مؤسسة الدين المصرية لمؤتمر الشيشان، وأنها تعبر مع المؤتمر عن هذا المآل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤتمر الشيشان التيه السنّي مؤتمر الشيشان التيه السنّي



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 16:26 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 22:16 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 05:53 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

اتجاهات موضة الديكور في غرف الطعام هذا العام

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 17:30 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 22:55 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:05 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen