بقلم - منى بوسمرة
ابتداءً من اليوم، أصبح ملف التوطين مختلفاً عن كل المرات التي تم التعامل فيها مع هذا الملف، لأنه يخضع الآن لمعايير الشيخ محمد بن راشد في الإنجاز وإيجاد الحلول، إذ كانت كلماته في مجلس الوزراء ذات دلالة قطعية بوضع آليات النجاح التي بدت ملامحها في أول عشرة قرارات في هذا الشأن، وربما ترتفع إلى مئة لو احتاج الأمر، كما قال الشيخ محمد، الذي لامست كلماته جوهر القضية، وجمعت تشتتها باعتبارها هدفاً وطنياً تفرضه ضرورات اقتصادية وأمنية واجتماعية.
بعد تلك القرارات لا حجة لأية جهة في التقصير، فقد تم تحديد المسار، وما على جهات الاختصاص إلا التنفيذ وفقاً للتوجيهات، فالأرقام المستهدفة البالغة 20 ألف وظيفة للمواطنين على مدى ثلاث سنوات، وتحديد 160 وظيفة في كل القطاعات أولوية التعيين فيها للمواطنين، تبدو واقعية تماماً، لا مبالغة فيها، وتحقيقها ليس صعباً ولا مستحيلاً، خاصة أن القرارات وضعت آليات للتنفيذ والدعم، واستهدفت 5 قطاعات حيوية فيها مئات آلاف الفرص الوظيفية.
ما تحتاج إليه جهات التنفيذ حتى تنجح وضع قاعدة بيانات موحّدة بأعداد الباحثين عن عمل، وحصر أعداد خريجي الجامعات لأربع سنوات على الأقل لتجنّب التعامل مع أرقام غير دقيقة، فتشخيص حجم القضية أساس العلاج ووضع الحلول، كما أن على جهات الاختصاص فحص المبادرات التي تعلن عنها جهات حكومية أو من القطاع الخاص، والتدقيق في مدى جديتها، لأن بعضها يأتي لذرّ الرماد في العيون، لذلك يبدو وضع مؤشر للتوطين لكل قطاع من القطاعات الكبرى أمراً حيوياً، يبقى الملف في زخمه، ويعيد تشكيل ذهنية التوطين باعتباره حافزاً لا عقاباً.
بلدنا بيئة جاذبة للمواهب، لذلك كان الشيخ محمد حريصاً على طمأنة المقيمين والقطاع الخاص أن التوطين لا يعني استهدافهم أو الإضرار بهم، بل هو رافد لهم، فاقتصادنا قوي وينمو ويتنوع وينتج مزيداً من الفرص الوظيفية، وبالتالي فهو يحتاج إلى مزيد من المواهب، سواء كانوا من أبناء الوطن أو من الخارج.
قرارات الأمس صافرة انطلاق القطار، بثت الروح والحياة في ملف التوطين، وهو الآن على نار حامية، نريد وقودها مستمراً، وأن تبدأ شركات القطاع الخاص، خصوصاً الوطنية، المبادرة الصادقة إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية، بفتح المجال أمام تأهيل وتدريب ثم تعيين شبابنا الذين لا يقلّون في مهاراتهم وخبراتهم وعلومهم عن غيرهم، خصوصاً أن طموحات شبابنا تفوق غيرهم، وهم الذين زرعت فيهم قيادتهم ثقافة التفوّق وعدم الاعتراف بالمستحيل.
فنحن شعب لا يحب الاستراحة في سباق الحضارة والتقدم، كما يقول الشيخ محمد بن راشد، فكيف للبعض أن يشكّك في قدرات أبناء هذا الشعب، الذين ما إن دخلوا مجالاً حتى أبهروا وأبدعوا، وآخرها في الفضاء. فاليوم تستعين دول بخبرات شبابنا في التأهيل والإدارة، وتنقل تجربتنا وتستنسخها وتحاكيها، وهي تجربة صنعها أبناء هذا الشعب، وهم قادرون على تقديم المزيد من الإبهار في شتى المجالات، فالواجب والحق والعدل أن يكون التوطين سلوكاً ونهجاً طبيعياً، لا يُفرض بقرارات.
الدول تفخر بمواردها البشرية، وهذه حقيقة لا جدال فيها، باعتبارهم أغلى وأهم أذرع نهضة الأمم، فهم صانعو النهضة، وحماة الإنجازات، ومن دون تعظيم دورهم عبر التعليم والتأهيل والتدريب ومنحهم فرصة العطاء وخدمة وطنهم لا تتحقق الأهداف، فالتوطين، كما نفهمه في الإمارات، رافعة الإنجاز، وقلعة الأمان، ورافد الاستقرار، وداعم النمو، ومجدد الحلم.
أرسل تعليقك