آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

عودة الوعي

اليمن اليوم-

عودة الوعي

بقلم : محمد صلاح

لم يزر الربيع العربي المنطقة إلا مرة واحدة، وأحدث فيها ما أحدثه من دمار وخراب وتشريد وقتل، وما زالت ألغامه تتفجر في بعض الدول التي زارها، وشظاياه تتناثر لتصل إلى دول أخرى على أطرافها، لكن تأثير الألغام ووطأة الشظايا بقيا محدودين ولم يصلا إلى المدى الذي وصلته الموجة الأولى والرئيسية للإعصار، التي ضربت المنطقة العام 2011. كانت وطأة الزيارة فادحة وأسقطت الحكم في دول وحولت بعضها إلى ساحات لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، غير أن بعض رذاذ الربيع كان هلّ على المنطقة قبل العام 2011، فضرب العراق والصومال وكذلك قطاع غزة، ولم تتنبه الأنظمة والشعوب في بقية الدول العربية إلى أن الآتي أسوأ، فلم تعالج أخطاءها أو الفساد في مجتمعاتها أو الظلم بين مؤسساتها فكانت النتيجة الكارثية، إذ استُغلت الشعوب المقهورة أو المظلومة أو المحبطة أو الغاضبة بواسطة من ظلوا على مدى عقود يخططون ويرسمون النظريات ويغيرون الخرائط ويضعون السيناريوات لمستقبل المنطقة، هم وجدوا الفرصة سانحة لشن الحرب من دون أسلحة، أو تحريك الجيوش أو إرسال الطائرات أو البوارج أو الغواصات، فقطاعات وفئات من الشعوب صارت هي الأسلحة، وجحافل اليائسين والمحبطين صاروا المنفذين للخطط المغرضة للحرب، أو قل الثورات! وأكثر من طابور خامس كانت عناصره جاهزة للتفاني في إظهار الولاء لأجهزة استخبارات وجماعات متأسلمة لا تعترف بوطن، لينالوا المكافآت على خدماتهم وتآمرهم ضد أوطانهم. حدث ما حدث والتطورات معروفة للجميع واكتشف الناس أن بينهم عملاء تحالفوا مع الأعداء وقبضوا الثمن، وأن كل الدول التي جرفها الربيع العربي تراجعت عقوداً إلى الوراء، سواء تلك التي قاومت فيها أنظمة الحكم التغيير كاليمن وسورية، أو التي تنازل فيها الحكام طواعية ورحلوا قبل أن تنهار مجتمعاتهم كتونس ومصر، أو التي قتل فيها رأس النظام ونُكل بحاشيته كليبيا. لم يكن الهدف إزاحة الأنظمة ونصرة الشعوب وإنما إسقاط الدول وهدمها فوق رؤوس من فيها وتسليمها، بعد أن تسوى بالأرض، إلى جماعة ظلت أكثر من 80 عاماً كامنة تنتظر لحظة الانقضاض والتمكين.

احتاجت الشعوب بعض الوقت حتى استردت الوعي وفطنت إلى اللعبة الكبرى والمؤامرة العظمى، وسقط «الإخوان» في مصر وانفضحت جهات ظلت تحرك الأحداث من خلف ستار، وبدأت لعبة الإرهاب واستعانت دول وأجهزة استخبارات وجماعات بالإرهابيين علهم ينقذون الموقف ويعيدون الربيع مجدداً إلى المسار الذي سار فيه من قبل.

فشلت كل محاولات «الإخوان» وحلفاء «الجماعة» في قطر وتركيا ودول غربية أخرى ومؤامرات أجهزة استخبارات وتواطؤ منظمات حقوقية ومراكز بحثية وادعاءات ومزاعم صحف ووسائل إعلام، بطول الأرض وعرضها، في صنع ربيع عربي جديد، أو تحريك الأعاصير مرة أخرى لتضرب الدول التي نجت من الزيارة الأولى، وعلى رغم أموال قطر وجهود تركيا للإيحاء بأن الربيع سيعود من جديد والثورة آتية لا محالة و «الإخوان» سيستردون السلطة وسيستعيدون التمكين، رفضت الشعوب وقاومت، وأوصدت كل المنافذ التي يمكن أن تُخترق مجتمعاتها من خلالها. بالنسبة إلى مصر يستغرب المتأثرون بالإعلام الإخوانجي غياب ردود فعل شعبية تجاه أحداث تصنعها الجماعة، وهشتاقات جرى توظيف الآلاف ضمن لجان إلكترونية للدوام فيها، ومواقع إلكترونية إذا طالعتها اعتقدت بأن مصر مشرفة على السقوط، والحكم فيها يترنح والجيش ينهار، والجثث تملأ الشوارع، والناس على أبواب الميادين تستعد للاعتصامات، والفوضى في طريقها لتسود!

تخطت مصر مرحلة كان فيها خبر «مضروب» كفيلاً بتحريك تظاهرة، بل صار المصريون يسخرون ويتهكمون على ادعاءات «الإخوان» وأكاذيب الإعلام القطري حول أحوال بلدهم، وفبركات القنوات التركية عن مؤسساتهم، وتقارير المنظمات الغربية الحقوقية المتحيزة، وحين تطالع هشتاقاً ضد السيسي لا تصدق أنه يعبر عن حال المصريين، وتأكد أن الإخوان في كل أنحاء العالم جيشوا أنفسهم ليخدعوك بأن تلك هي آراء المصريين. عليك أن تدرك أن الكتلة الكبيرة من الشعب المصري هي التي حددت مصير مصر ونزعت السلطة عن «الإخوان»، وهي كتلة لا تتعامل بالهشتاقات وغير معنية بمواقع التواصل الاجتماعي، بل كلما عرف أعضاء هذه الكتلة أن اللجان الإلكترونية الإخوانية تدفعهم إلى كراهية بلدهم عاندوا وأظهروا حبهم له أكثر، وكلما سعت قنوات الجماعة إلى اغتيال شخص ما معنوياً احتفى غالبية الشعب المصري به، وكلما لاحظوا شماتة أعداء الدولة المصرية مع كل كارثة أو حادثة، رقص المصريون على إيقاع غضب أعدائهم، ليؤكدوا لهم أن الوعي عاد وأن ذلك الربيع لن يأتي مجدداً أبداً.

المصدر: جريدة الحياة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الوعي عودة الوعي



GMT 04:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتانياهو يعمل لنفسه فقط

GMT 04:52 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حروب الاستديوهات

GMT 04:50 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور سعيد إسماعيل على.. وجدوى الكتابة

GMT 04:48 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل الثورتين

GMT 04:46 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الأراجوز في اليونسكو..
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 06:44 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

أجواء عذبة عاطفياً خلال الشهر

GMT 01:05 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة هند صبري تكشف تفاصيل إنتاجها لأفلام الإنترنت

GMT 10:33 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

روما يهزم برشلونة الثلاثاء عن طريق اللاعب دجيكو

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 04:25 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

كاتي بيري تلفت الأنظار إلى فستانها البني الأنيق

GMT 21:10 2017 الجمعة ,07 تموز / يوليو

يوفنتوس سيجاري عرض أرسنال الخيالي لضم مبابي

GMT 01:57 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تظهر في عيد ميلاد توأم زينة وتخطف الأضواء

GMT 15:40 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

دينا راغب بإطلالة فرعونية تتخطى 150 ألف دولار

GMT 03:21 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تستعمل الأغاني بدلًا من أصوات المحركات المزعجة

GMT 21:31 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

"غوغل" تحدث ميزات جديدة للمستخدمين في15 دولة العالم العربي
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen