بقلم - سمير عطا الله
لا نعرف من أيقظ في وجهنا مرة واحدة المشاعر الإمبراطورية. روما اقتنعت من زمان أن الإمبراطوريات لا تعود، وبريطانيا تركت «البيتلز» ينعون الزمن المتحوِّل إلى آثار وأعلام منكسة، واليونان وفرنسا وهولندا والمجر والنمسا وألمانيا وسائر أهل الزمن الإمبراطوري دخلوا عصر الحقيقة، وعالم ما بعد البرونز والمنجنيق والمجنّات، أو التروس، ومنها المثل الشهير: «أدار له ظهر المجنّ».
عندنا، هب فجأة، وفي وقت واحد، حنين الإمبراطوريات في إسطنبول وطهران: واحد يرسل الجيوش، وواحد يوزع الفيالق! ومع كل فرقة، يرسلون بياناً واضحاً بمتعة الفوز وشرعية الرسالة. والفريقان يتحدثان عنا على أننا مجرد مخلّفات من الماضي تجري إعادتها إلى أمكنتها الطبيعية: أحضان قورش، وأطيان عبد الحميد.
لا ندري أين أخفى الرئيس رجب طيب إردوغان وزير خارجيته السابق الدكتور أحمد داود أوغلو، منظّر السلطنة وأستاذ التاريخ في جامعة إسطنبول. الدكتور أوغلو كان واضحاً لدرجة أن يرسل الجيش إلى ضرائح السلاطين في سوريا. وقد قال ذات يوم من العام 2013 ما نصه: «إن الأتراك سوف يوصلون مرة أخرى سراييفو بدمشق، وبنغازي إلى أرزروم إلى باتومي. هذه هي قوتنا الحقيقية. فإن هذه الأسماء قد تبدو لكم بلداناً مختلفة، لكن اليمن وسكوبجي كانتا جزءاً من بلد واحد قبل مائة وعشرة أعوام. وهكذا كانت أيضاً أرزروم وبنغازي».
كان كمال أتاتورك يقول: «كم هو سعيد ذلك الذي يستطيع القول إنه تركي»، ومع ذلك فهو الذي أقدم على تقليم أجنحة الإمبراطورية من أجل أن تعيش كدولة قادرة على الحياة. ما يفعله إردوغان اليوم هو إعادة الإمبراطورية من أجل بقاء الجمهورية موحدة. واللغة الإمبراطورية لا تفرّق عادة بين الحرب والسلم في طموحاتها وسياساتها. ولذا، نرى أن أنقرة وطهران أشعلتا في المنطقة، مباشرة أو بالواسطة، حروباً لا نهاية لها. وإذا ما تساءل أحدنا: ماذا يفعل إردوغان في إدلب، أو فيصل سليماني في العراق؟ يكون إبراز دفتر الخرائط العتيقة حاضراً. إنه المنطق الذي لم يقبله التاريخ. فيوم خرجت الإمبراطورية البريطانية من الولايات المتحدة والهند، كان ذلك إلى الأبد. ويوم خرجت فرنسا من الجزائر، كان ذلك إلى الأبد. الاستعمار ضد منطق التاريخ في كل الأزمنة والأمكنة. وقد اختارت طهران وأنقرة الطريق الخطأ تماماً في العودة إلى المنطقة. طرق العصر هي التبادل والانفتاح، واحترام السيادات وخصوصيات الشعوب وكرامتها. الشاهنشاهية والباب العالي زمن مضى.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك