آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

عذاب النور

اليمن اليوم-

عذاب النور

بقلم - سمير عطا الله

فاز البرتغالي جوزيه ساراماغو بـ«نوبل» العام 1998 على مجموعة أعماله الأدبية، وأشهرها رواية بعنوان «العمى». ويخطر للكثير منا المقارنة بين الرواية وبين كتاب طه حسين الشهير «الأيام». تُرجِمَت «الأيام» إلى لغاتٍ كثيرة، وحظيت لدى الأجانب، خصوصاً الألمان، باهتمامٍ كبيرٍ من النقّاد. ومرة تلو أخرى ألاحظ أن الأجانب تألموا لأيام طه حسين أكثر منا. إحساسهم حيال الألم أعمق من أحاسيسنا. فالكثيرون من المُبصرين كانوا يعيشون حياة مشابهة لحياة «صاحبنا» أو «الفتى»، كما كان يشير طه إلى نفسه وهو يروي الصعوبات التي ولد فيها على حافة قناة كان يعتبرها حدود العالم.
سوف نلاحظ أن الفارق الأساسي بين أدب ساراماغو ورواية طه حسين هو الغنى في التفاصيل. فالتفاصيل قليلة عند عميد الأدب العربي لأنه كان يرى بحواس كثيرة، ليس بينها حاسة البصر. وكان يستعين على كل شيء بعيون الآخرين، خصوصاً تلك الزوجة التي لا يمكن وصفها فقط بأنها شريكة حياة.
كان «العميد» يترك المشهد إلى آخر بسرعة فيؤثّر فيك بالموقف بدل الوصف، وبالمشاعر الداخلية بدل الانطباع. وقد شابهه في ذلك مُبصِر أميركا اللاتينية الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. وكان الشبه الآخر البلاغة الكبرى عند الرجلين. ولعلّ كليهما أراد أن يثبت لعالم المبصرين أنه يملك من اللغة ما لا يملكون. ويخيّل إليَّ أنه لو لم تطغَ البلاغة الشديدة على ملحمة طه حسين، الإنسانية، لتركت أثراً أعمق على رغم عمق الأثر الذي تركته.
إليكم هذا المشهد من طفولة البصير الفذّ: «كان يخاف أشدَّ الخوف أشخاصاً يتمثلها قد وقفت على باب الحجرة فسدّته سدّاً وأخذت تأتي بحركات مختلفة أشبه شيء بحركات المتصوفة في حلقات الذِّكر.
وكان يعتقد أن ليس له حصن من كل هذه الأشباح المخوفة والأصوات المنكرة، إلا أن يلتفَّ في لحافه من الرأس إلى القدم، دون أن يدع بينه وبين الهواء منفذاً، أو ثغرة، وكان واثقاً أنه إن ترك ثغرة في لحافه فلا بدَّ من أن تمتد منها يد عفريت إلى جسمه فتناله بالغمز والعبث.
لذلك كان يقضي ليله خائفاً مضطرباً إلى حين يغلبه النوم، وما كان يغلبه النوم إلا قليلاً.
كان يستيقظ مبكراً، أو قل: كان يستيقظ في السحر، ويقضي شطراً طويلاً من الليل في هذه الأهوال والأوجال والخوف من العفاريت، حتى إذا وصلت إلى سمعه أصوات النساء يَعُدنَ إلى بيوتهن وقد ملأن جرارهن من القناة وهنَّ يتغنَّين: «الله يا ليل الله..». عرف أن قد بزغ الفجر، وأن قد هبطت العفاريت إلى مستقرّها من الأرض السفلى، فاستحال هو عفريتاً، وأخذ يتحدّث إلى نفسه بصوتٍ عالٍ، ويتغنّى بما حفظ من نشيد الشاعر...».

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عذاب النور عذاب النور



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 17:02 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 15:27 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

وصول الفنان عمار العزكي إلى تعز

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:24 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

اجتماع للحكومه اليمنية للوقوف على الأوضاع الراهنة في تعز

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 01:44 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة توضح مساعدة الأنظمة الغذائية في التصدي للأمراض

GMT 12:20 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وزارة التربية الفلسطينية تعلق الدراسة في "رام الله" و"البيرة"

GMT 04:58 2017 الأحد ,01 كانون الثاني / يناير

جاكلين عقيقي تؤكد أن "القوس" من الأبراج الأكثر تفاؤلًا

GMT 19:20 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

النجم الفرنسي أوليفيه جيرو يحرز جائزة بوشكاش

GMT 13:49 2019 الخميس ,14 شباط / فبراير

عرض كارولينا هيريرا carolina Herrera 2015
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen