بقلم : سمير عطا الله
يعرف يوسف بوصولي من السيارة. وفتح النوافذ. ومنذ الخريف، تصير هناك علامة أخرى: دخان المدفأة ونار الحطب.
* يدّعي يوسف دائماً أن مروره من أمام المنزل مجرد مصادفة، ولا يشرح ماذا يأخذه في طريق فرعية. ولا يرى اضطراراً إلى ذلك.
فعمله منذ نحو 80 عاماً أن يجول في البرِّية والحقول. وأحياناً يحمله الملل إلى القرى المجاورة، يتحدث إذا عثر على ضَجِرٍ آخر على الطريق.
يتبادل معه أسئلة لم تتغير مثل لازمة النشيد الوطني. وأخبار الأهل. ومدى احتمالات المطر هذا الشتاء. ثم، بكل فرحٍ واعتزازٍ، رسالة مطوية من أبناء شقيقه في البرازيل، ويطلب من الرجل أن يعيد قراءتها على مسامعه، يوسف لا يقرأ.
* يوسف يضعني على خريطته لكي أساعده في تبديد الوقت. أهل المدينة عندهم دوماً شيء جديد. جربت في الماضي بعض النكات، لكنه لم يفهمها. يعود دائماً إلى حديث الحكومة. وهذه مسألة جدية. ولا يسمع التلفزيون، فقد جربه لسنوات واكتشف أن النوم المبكر أنفع.
* يعتقد يوسف أن الذين يشتغلون في الجرائد يعرفون ما لا يعرف.
* يرفض يوسف دعوة إلى الغداء ويكرر جملته المعهودة: لقد أتخمني الفطور. لم يعرف يوسف التُخمة في حياته. ولا حتى الشبع. لكنه يقبل سترة أو قميصاً مستعملاً. وحتى الجوارب العتيقة: برد الشتاء يبدأ من القدمين.
* هرة هائمة في البرية، تتأمل حولها ثم تمضي. طريقها طويل ووحدتها لا آخر لها.
* صوت إضافي: مياه القناة تؤكد ما تنبأت به: الشتاء وصل.
* يوسف هو المواطن الوحيد في الجمهورية الذي لا يحمل جوالاً، وليس له عنوان بريدي. رسالة البرازيل وصلته مع مسافرين.
* يوسف لا يشكو. ولا ينام. ولا يشمت في أحد. ويغير الحديث إذا حاولتَ أن تنتقد أحداً. ويؤيد جميع المرشحين للنيابة والبلدية ورئاسة النادي. ولا «يسافر» إلى بيروت. ما من قريب أو رفيق له في المدينة. آه، عندما كان شاباً ذهب إليها بضع مرات، آملاً بالعثور على عروس. ثم قرر أن يحمل همومه منفرداً.
* منفرداً يمضي يوسف في الحياة. في الحقول وفي البرية، محتمياً بقبعته الفرنسية. وحذاء مثقوب. ويمشي يحمد الله في صوت مسموع. ويتحسب لعزلة أقسى عندما يتحول الخريق إلى طوفان. كما يسميه
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك