بقلم - سمير عطا الله
كانت «الصدمة الثقافية» تحدث في الماضي عندما تأتي من بيروت إلى هنا: في المغادرة؛ مطار دولي متصل بالعالم أجمع، ومدينة نظيفة جميلة على البحر، ومركز اقتصادي هو الأول في الشرق. وفي الوصول، كان مطار صغير؛ «وايد» صغير، ومدينة صغيرة، وسوق عتيقة، وناس طيبون.
الآن تحدث «الصدمة الثقافية»؛ تبدأ عندما تصل إلى واحد من أكثر مطارات العالم حركة، ثم تنفتح أمامك واحدة من أحدث وأعلى المدن، وتمتد أمامك واحدة من أوسع وأجمل وأنظف شبكات الطرق والجسور.
وثمة ازدحام؛ لكن من دون «زمور» واحد، ومن دون أن يفتح السائق المحاذي نافذته ليشتمك، ومن دون أن تلحظ على الطريق، أو إلى جنبها، أو خلفها، ورقة «كلينكس» أو زجاجة «سفن أب»، أو كيس زبالة أزرق، أو حذاءً عتيقاً لم يجد صاحبه مكاناً يرميه فيه سوى طريقك إلى العمل مستقبِلاً نهارك، أو إلى البيت مودّعاً أتعب وأشقى وأزفت نهار في مدن العالم.
«الصدمة الثقافية» في البحرين هي الدولة... إنك لا تراها؛ لا شرطة في الطريق، لا مواكب، لا شاحنات عسكرية... لكنك تدرك مدى وجودها عندما لا ترى مخالفة واحدة، أو وحشاً بشرياً ينقض على سائق آخر ويطعنه في الشارع حتى الموت لأنه تجرأ على تجاوزه... ولا تقرأ عن نزاهة القضاء لأن البديهيات لا تستحق الذكر.
هل النفط يحقق هذا النوع من التطور؟ أعطيت أمس في المحاضرة التي ألقيتها في «مركز الشيخة مي الخليفة»، ثلاثة أمثلة يقابلها ثلاثة نماذج: بلدان هائلة الثروة النفطية: الجزائر، وليبيا، والعراق. وبلدان لا يكفي النفط استهلاكها المحلي: البحرين ودبي وعُمان. اختر المؤشر النسبي الذي تريد. ويظل المفرح يقابل المحزن، وكلاهما لا يصدَّق... لا يصدَّق.
ذهبت صباح أمس للسلام على نائب رئيس الوزراء محمد بن مبارك، شيخ المودات منذ نصف قرن. حاولت أن أسأله عن البحرين، وكان يعود للسؤال عن لبنان. والرجل الذي صرف عمراً في الدبلوماسية الهادئة، غير مصدق أن السياسة اللبنانية من ورطة إلى مأزق. ولا ينسى الشيخ محمد أنه جاء إلى الجامعة الأميركية في بيروت لتلقي العلوم، وكذلك فعل كثيرون من شباب الخليج، يوم بيروت هي حاضرة العلوم والفكر. ماذا حدث، وكيف يمكن أن يحدث، وماذا سيحدث؟
يتوقف الشيخ محمد عند ذلك الخبر المؤسف في الصحافة: إغلاق «دار الصياد» وقبلها إغلاق طبعة «الحياة»، وقبلها صحيفة «السفير». ألم تكن بيروت ذات يوم مدرسة الصحافة العربية؟ يقول الرجل الهادئ: لقد شهدنا ازدهار تلك الحرفة الجميلة التي برع فيها اللبنانيون في بلدهم وخارجه، لكننا الآن نشهد صراعها للبقاء والاستمرار. صحيح أنه وباء عالمي، لكن المرء لا يستطيع أن يتخيل لبنان من دون كل الأشياء الكثيرة التي كانت تميّزه!
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك