بقلم - سمير عطا الله
ظل العالم يسميها «الحرب الكبرى» إلى أن انفجرت في وجهه الحرب العالمية الثانية، فأخذ يسميها الحرب العالمية الأولى. سماها الكبرى لأن جميع الحروب التي قبلها بدت محدودة أمامها. الآن في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، تحتفل أمم الشرق والغرب بمرور مائة عام على ما سمي باختصار: «الهدنة». لا سابقة تشرحها ولا لاحقة.
بين 1914 و1918 جن جنون الدول الكبرى فقامت على بعضها البعض. وحتى بعد توقيع الهدنة سقط عشرات الآلاف من القتلى، لأن المتحاربين كانوا مليئين بالحقد وروح الانتقام. وهجم جندي أميركي يحمل حربة على فرقة ألمانية فيما الألمان يصرخون فيه: لقد انتهت الحرب. انتهت. لكنه ظل مهاجماً إلى أن أردوه.
بعد «الهدنة» تغير وجه العالم. هزمت ألمانيا، وانتهت الإمبراطورية العثمانية بعد خمسة قرون. وظهر الاتحاد السوفياتي مكان روسيا الخاسرة. وخرجت الولايات المتحدة كقوة كبرى قادرة على حسم النزاعات العالمية.
عشرات الكتب ظهرت الآن في هذه المئوية الكبرى. صفحات من القتل والموت والمجاعات. 424 ألف ميت في المجاعة وحدها، وبسبب النقص في الغذاء، صار أطفال أوروبا العام 1918 أقصر قامة مما كانوا عليه العام 1914. وبرغم أنها وقَّعت هزيمتها، ظل الحصار على ألمانيا قائماً إلى أن أعلن الرئيس الأميركي هربرت هوفر «نحن لسنا في حالة حرب مع أطفال ألمانيا». وقام بإرسال 1.3 مليون طن من المواد الغذائية.
خلال خمسة أسابيع من إعلان الألمان عزمهم على بدء مفاوضات الهدنة، سقط نصف مليون قتيل وجريح. وبدأت ألمانيا في الانهيار من الداخل، إذ تأثر المهزومون بالدعوات الشيوعية في روسيا، وراح الجنود والعمال ينشئون المجالس على الطريقة السوفياتية. وأعلنت مقاطعة بافاريا نفسها ولاية اشتراكية، وتولى مجلس «سوفياتي» السلطة في مدينة كولونيا.
توسعت حركة التمرد في الجيش الألماني. وفر عدد من كبار الضباط إلى هولندا المحايدة، وتعقدت بسبب كل ذلك مفاوضات الهدنة. وأراد الفرنسيون أن تكون بنود الاستسلام الألماني مذلة إلى أقصى الحدود.
حتى بعد توقيع اتفاقية الهندنة، رفض الموقعون المصافحة. وقد كان بين المقاتلين نقيب في الجيش الأميركي يدعى هاري ترومان (رئيس هيروشيما في الحرب العالمية الثانية)، وشاهد مرة جندياً أميركياً يحاول نزع جزمة طيار ألماني قُتل، فكتب إلى خطيبته: «سمعت فرنسياً يقول إن ألمانيا تقاتل من أجل الأرض، وإنجلترا من أجل البحر، وفرنسا من أجل الوطن، والأميركيون من أجل التذكارات»
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك